خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَٰجُّوۤنِّي فِي ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ
٨٠
-الأنعام

محاسن التأويل

قوله تعالى: { وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ } أي: جادلوه، وأرادوا مغالبته بالحجة، فيما ذهب إليه من توحيد الله، ونفي الشركاء عنه، تارة بأدلة فاسدة واقفة في حضيض التقليد، وأخرى بالتخويف، وقد أشير إلى جواب كل منهما { قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ } أي: أتجادلونني في توحيده، وقد هداني لإقامة الحجج، ورفع الشبه على نفي إلهية ما سواه، وقد ثبت أنها ناقصة في ذواتها، فكمالاتها من غيرها، ولا إلهية للناقص بالذات، لأن كماله لا يكون مطلقاً، و ( تحاجوني ) بإدغام نون الجمع في نون الوقاية، وقرئ بحذف الأولى.
وقوله تعالى: { وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ } أي: لا أخاف معبوداتكم، لأنها جمادات لا تضر بنفسها ولا تنفع، وهو جواب عما خوفوه عليه الصلاة والسلام في أثناء المحاجة من إصابة مكروه من جهة أصنامهم، كما قال لهود عليه السلام قومه: { إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ } [هود: 54]. وتخويفهم، وإن لم يسبق له ذكر فهم من قوله: { وَلاَ أَخَافُ }.
وقال ابن كثير: أي: ومن الدليل على بطلان قولكم؛ إن هذه المعبودات لا تؤثر شيئاً، وأنا لا أخافها ولا أباليها، فإن كان لها كيد فكيدوني بها ولا تُنظرون. انتهى.
{ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً } أي: من إصابة مكروه بي من جهتها، وذلك إنما هو من جهته تعالى، من غير دخل لمعبوداتكم فيه أصلاً.
وفي " الانتصاف ": غاية خوف إبراهيم منها. المعلق على مشيئة الله تعالى لذلك، خوف الضرر عندها بقدرة الله تعالى، لا بها، وكأنه في الحقيقة لم يخف إلا من الله، لأن الخوف الذي أثبته منها معلق بمشيئة الله وقدرته، وهو كالخوف منها - والله أعلم -.
وقوله تعالى: { وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً } كأنه علة الاستثناء، أي: أحاط بكل شيء علماً. فلا يبعد أن يكون في علمه إنزال المخوف بي من جهتها، أي: كرجمه بالنجوم لأنه إذا أحيل شيء إلى علم الله، أشعر بجواز وقوعه. وفي الإظهار في موضع الإضمار، مع التعرض لعنوان الربوبية، إظهار منه عليه الصلاة والسلام لانقياده لحكمه سبحانه وتعالى، واستسلام لأمره، واعتراف بكونه تحت ملكوته وربوبيته.
هذا وجعل المهايمي ذلك علة لاستدراك محذوف، لعلمه من المقام، حيث قال في الآية: ولا أخاف الضرر على نفسي من تأثير ما تشركون به، إلا أن يشاء ربي أن يجعل لهم شيئاً من التأثير، لكنه لا يشاء في شأني لأنه: { وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً } فعلم أنه لو أوجد التأثير فيهم بما يضرون به من بعثه لتوحيده، صار محجوباً انتهى -والأول أقرب -.
{ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ } أي: تعتبرون بأن هذه المعبودات جمادات، لا تضر ولا تنفع، وأن النافع الضار هو الذي خلق السماوات والأرض.