خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَابَنِيۤ ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ
٢٧
-الأعراف

محاسن التأويل

{ يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ } أي: لا يخدعنكم عن دخول الجنة، بنزع لباس الشريعة والتقوى عنكم، فيخرجكم من نظر الله بالرحمة إليكم: { كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ } نعت لمصدر محذوف، أي: لا يفتننكم فتنةً مثل إخراج أبيكم.
{ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا } أي: الظاهر بسبب نزع لباس التقوى { لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا } أي: الظاهرة الدالة على السوأة الباطنة. وجملة: { يَنْزِعُ } حال من: { أَبَوَيْكُمْ } أو من فاعل: { أَخْرَجَ } أي: أخرجهما نازعاً لباسهما، بأن كان سبباً في أن نزع عنهما، وصيغة المضارع لاستحضار الصورة.
تنبيهان
الأول: قال السيوطي في " الإكليل ": استدل بهذه الآية أيضاً على وجوب ستر العورة، واستدل بالآيتين من قال: إن العورة هي السوأتان خاصة. انتهى.
الثاني: قال الإمام الرازي: أعلم أن المقصود من ذكر قصص الأنبياء عليهم السلام حصول العبرة لمن يسمعها، فكأنه تعالى لما ذكر قصة آدم، وبين فيها شدة عداوة الشيطان لآدم وأولاده، أتبعها بأن حذر أولاده من قبول وسوسة الشيطان، فقال: { يَا بَنِي ءَادَمَ } الآية، وذلك لأن الشيطان لما بلغ أثر كيده، ولطف وسوسته، وشدة اهتمامه، إلى أن قدر على إلقاء آدم في الزلة الموجبة لإخراجه من الجنة، فبأن يقدر على أمثال هذه المضار في حق بني آدم أولى.
فبهذا الطريق حذر تعالى بني آدم بالإحتراز عن وسوسته.
وقوله تعالى: { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ } أي: جنوده من الشياطين: { مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ } أي: من مكان لا ترونهم فيه.
والجملة استئناف لتعليل النهي، وتأكيد التحذير من فتنته بأنه بمنزلة العدو المداجي، يكيدكم ويغتالكم من حيث لا تشعرون.
عن مالك بن دينار: إن عدواً يراك ولا تراه، لشديد المؤنة، إلا من عصم الله.
تنيبه
قال السيوطي في " الاكليل ": قال ابن الفرس: استدل بها بعضهم على أن الجن لا يرون وأن من قال إنهم يُرون فهو كافر. انتهى.
ومراده بالبعض، المعتزلة، ولذا قال الزمخشري: فيه دليل بين أن الجن لا يرون ولا يظهرون للإنس، وأن إظهارهم أنفسهم ليس في استطاعتهم، وأن زعم من يدعي رؤيتهم زور ومخرقة. انتهى.
وقال الجشمي: تدل على بطلان قول العامة إن الشيطان يتصور لنا ونراه، ثم قال: ومتى قيل: أليس يُرون زمن الأنبياء، ويرى المعاين الملَك؟ فجوابنا: أنه يزداد قوة الشعاع أو تتكاثف أبدانهم، فيكون معجزة للنبي. انتهى.
وأجاب أهل السنة كما في " العناية ": بأنه قد ثبتت رؤيتهم، بالأحاديث الصحيحة المشهورة، وهي لا تعارض ما في الآية لأن المنفي فيها رؤيتهم إذا لم يتمثلوا لنا.
وقال في فتح البيان: وقد استدل جماعة من أهل العلم بهذه الآية على أن رؤية الشيطان غير ممكنة، وليس في الآية ما يدل على ذلك، وغاية ما فيها أنه يرانا من حيث لا نراه وليس فيها أنا لا نراه أبداً، فإن انتفاء الرؤية منّاً له، وفي وقت رؤيته لنا، لا يستلزم انتفاءها مطلقاً.
والحق جواز رؤيتهم كما هو ظاهر الأحاديث الصحيحة، وتكون الآية مخصوصة بها، فيكونون مرئيين في بعض الأحيان لبعض الناس دون بعض. انتهى.
وقد أوضح الغزاليرحمه الله رؤيا الجن والشياطين برؤيا الملائكة حيث قال في الركن الثاني: الملائكة والجن والشياطين جواهر قائمة بأنفسها. مختلفة بالحقائق إختلافاً يكون بين الأنواع، ثم قال: ويمكن أن تشاهد هذه الجواهر - أعنى جواهر الملائكة - وإن كانت غير محسوسة، وهذه المشاهدة على ضربين:
إما على سبيل التمثيل، كقوله تعالى: { فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً }.
وكما كان النبي عليه الصلاة والسلام، يرى جبريل في صورة دَحْيَة الكلبي.
والقسم الثاني: أن يكون لبعض الملائكة بدن مخصوص، كما أن نفوسنا غير محسوسة ولها بدن محسوس هو محل تصرفها وعالمها الخاص بها، فكذلك بعض الملائكة، وربما كان هذا البدن المحسوس موقوفاً على إشراق نور النبوة، كما أن محسوسات عالمنا هذا موقوفة عند الإدراك على إشراق نور الشمس، وكذا في الجن والشياطين. انتهى.
وقوله تعالى: { إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } قال الزجاج: يعني سلطناهم عليهم، يزيدون في غيهم. انتهى.
والجملة تعليل آخر للنهي، وفيه تحذير أبلغ من الأول.