خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ ٱلْمَآءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ كَذٰلِكَ نُخْرِجُ ٱلْموْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
٥٧
-الأعراف

محاسن التأويل

{ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } أي: قدام رحمته التي هي المطر، فإن الصبا تثير السحاب، والشمال تجمعه والجنوب تدره، والدبور تفرقه. وهذا كقوله تعالى: { { وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ } [الشورى: 28] وقوله سبحانه: { { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ } [الروم: 46]. قال الثعالبي: المبشرات التي تأتي بالسحاب والغيث.
تنبيه
قال أبو البقاء: يقرأ: { نُشُراً } بالنون والشين مضمومتين، وهو جمع، في واحده وجهان: أحدهما: { نَشُور } مثل صبور وصبر، فعلى هذه يجوز أن يكون فعول بمعنى فاعل، أي: ينشر الأرض، ويجوز أن يكون بمعنى مفعول، كركوب بمعنى مركوب، أي: منشورة بعد الطي، أو منشرة أي: مُحياة، من قولك أنشر الله الميت فهو مُنشر، ويجوز أن يكون جمع ناشر، مثل بازل وبُزل. ويقرأ بضم النون وإسكان الشين، على تخفيف المضموم. ويقرأ نشراً بفتح النون وإسكان الشين، وهو مصدر نشر بعد الطي، أو من قولك أنشر الله الميت فنشر أي: عاش. ونصبه على الحال، أي: ناشرة، أو ذات نشر، كما تقول: جاء ركضاً أي: راكضاً. ويقرأ: بُشراً بالباء وضمتين، وهو جمع بشير، مثل قليب وقُلب، ويقرأ كذلك إلا أنه بسكون الشين على التخفيف. ويقرأ بشرى مثل حُبلى، أي: ذات بشارة ويقرأ بَشر بفتح الباء وسكون الشين، وهو مصدر بشرته - أي: بالتخفيف - إذا بشرته. انتهى.
{ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ } أي: حملت: { سَحَاباً ثِقَالاً } أي: من كثرة ما فيها من الماء: { سُقْنَاهُ } أي: السحاب. قال الشهاب: السحاب إسم جنس جمعي، يفرق بينه وبين واحده بالتاء، كتمر وتمرة، وهو يذكر ويؤنث ويفرد وصفه، ويجمع، وأهل اللغة تسميه جمعاً، فلذا روعي فيه الوجهان، في وصفه وضميره. انتهى. أي: أرسلناه مع أن طبعه الهبوط: { لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ } أي: لأجله ولمنفعته، أو لإحيائه أو لسقيه. و ميت، قرئ مشدداً ومخففاً { فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء } أي: الضمير. والضمير في به للبلد: { فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ } أي: المختلفة الأنواع، مع أن ماءها واحد. والمراد بكل الثمرات، المعادة في كل بلد تخرج به على الوجه الذي أجرى الله العادة بها ودبرها. والضمير في به، للماء أو لبلد { كَذَلِكَ } أي: مثل ذلك الإخراج { نُخْرِجُ الْموْتَى } أي: نحييها بعد صيرورتها رميماً يوم القيامة، ينزل الله سبحانه وتعالى ماء من السماء، فتمطر الأرض أربعين يوماً، فتنبت منه الأجساد في قبورها، كما ينبت الحب في الأرض: { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } أي: إنما وصفنا من هذا التمثيل لكي تتذكروا، من أحوال الثمرات التي أعيدت إلى حالها بعد تلفها، أحوال الآخرة، فتعلموا أن من قدر على ذلك، قدر على هذا بلا ريب.
تنبيه
من أحكام الآية كما قال الجشمي: أنها تدل على عظم نعمه تعالى علينا بالمطر، وتدل على الحجاج في إحياء الموتى بإحياء الأرض بالنبات، وتدل على أنه أراد من الجميع التذكر، وتدل على أنه أجرى العادة بإخراج النبات بالماء. وإلا فهو قادر على إخراجه من غير ماء، فأجرى العادة على وجوه دبرها عليها على ما نشاهده، لضرب من المصلحة ديناً ودنيا. ومنها إذا رأى الأرض الطيبة تزرع دون الأرض السبخة، وأنها قطع متجاورات، علم فساد التقليد، وأنه يجب أن يتفحص عن الحق حتى يعتقده. ومنها أنه إذا زرع وعلم وجوب حفظه من المبطلات، علم وجوب حفظ الأعمال الصالحة من المحبطات.