خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
٣٢
-الأنفال

محاسن التأويل

{ وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } هذا أسلوب من الجحود بليغ، لأنهم عدوا حقية القرآن محالاً، فلذا علقوا عليه طلب العذاب الذي لا يطلبه عاقل، ولو كان ممكناً لفروا من تعليقه عليه. والمعنى، إن كان هذا القرآن حقاً منزلاً، فعاقبنا على إنكاره بالسجيل، كما فعلت بأصحاب الفيل، أو بعذاب آخر. وفي إطلاقهم الحق عليه، وجعله من عند الله، تهكم بمن يقول ذلك، من النبي أو المؤمنين. وفائدة التعريف فيه الدلالة على أن المعلق به كونه حقاً على الوجه، يدعيه صلى الله عليه وسلم، وهو تنزيله، لا الحق مطلقاً، لتجويزهم أن يكون مطابقاً للواقع، غير منزل كالأساطير، فالتعريف للعهد. و: { أمْطِرْ } استعارة أو مجاز لأنزل. قال الزمخشري: وقد كثر الإمطار في معنى العذاب. فإن قلت: ما فائدة قوله { مِّنَ السَّمَاء }، والإمطار لا يكون إلا منها؟ قلت: كأنه أريد أن يقال: فأمطر علينا السجيل، وهي الحجارة المسومة للعذاب، فوضع: { حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء } موضع السجيل، كما تقول: صبّ عليه مسرودة من حديد، تريد درعاً. وقوله: { بِعَذِابٍ أَلِيمٍ } أي: سوى الإمطار المذكور، أو من عطف العام على الخاص.
وعن معاوية، أنه قال لرجل من سبأ: ما أجهل قومك حين ملكوا عليهم امرأة! قال: أجهل من قومي قومك! قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين دعاهم إلى الحق: إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة، ولم يقولوا إن كان هذا هو الحق فاهدنا له. أي: الذي هو الأصلح لهم، ولكن لشدة جهلهم وعتوهم وعنادهم استفتحوا على أنفسهم، واستعجلوا تقديم العقوبة، كقوله تعالى:
{ { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمّىً لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } [العنكبوت: 53] { { وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ } [ص: 16]. وقوله: { { سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ } [المعارج: 1-3] وكذلك قال الجهلة من الأمم السالفة، كما قال قوم شعيب له: { { فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } [الشعراء: 187].
وعن عطاء ومجاهد وسعيد بن جبير أن قائل ذلك النضر بن الحارث، صاحب القول السالف. قال عطاء: لقد أنزل في النضر بضع عشرة آية، فحاق به ما سأل من العذاب يوم بدر.
وروى البخاري عن أنس أن قائل ذلك أبو جهل.
وروى ابن مردويه عن بريدة قال: رأيت عَمْرو بن العاص واقفاً يوم أحد على فرس وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً فاخسف بي وبفرسي.