خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ
٥٣
-التوبة

محاسن التأويل

{ قُلْ أَنْفِقُوا } يعني أموالكم في سبيل الله ووجوه البرّ { طَوْعاً أَوْ كَرْهاً } مصدران وقعا موقع الفاعل، أي: طائعين من قبل أنفسكم، أو كارهين مخافة القتل { لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ } أي: ذلك الإنفاق. ثم بيّن سبب ذلك بقوله: { إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ } أي: عاتين، متمردين.
لطائف
قال الزمخشري: فإن قلت: كيف أمرهم بالإنفاق ثم قال: { لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ }! قلت: هو أمر في معنى الخبر، كقوله تبارك و تعالى:
{ { قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً } [مريم: 75] ومعناه: لن يتقبل منكم، أنفقتم طوعاً أو كرهاً، ونحوه قوله تعالى: { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } [التوبة: 80]، وقوله: (أسيئي بنا أو أحسني لا ملومةً) أي: لن يغفر الله لهم، استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم، ولا نلومك، أسأت إلينا أم أحسنت.
فإن قلت: متى يجوز هذا؟ قلت: إذا دلّ الكلام عليه، كما جاز عكسه في قولك: رحم الله زيداً وغفر له. فإن قلت: لم فعل ذلك؟ قلت: لنكتة فيه، وهي أن كُثَيّراًَ كأنَّه يقول لعزّة: امتحني لطف محلك عندي، وقوة محبتي لك، وعامليني بالإساءة والإحسان، وانظري: هل يتفاوت حالي معك، مسيئةً كنتِ أو محسنة! وفي معناه قول القائل:

أَخُوَكَ الذي إِن قُمتَ بالسيف عامداً لِتَضْرِبهُ لَمْ يَسْتَغِشَّكَ في الوُدِّ

وكذلك المعنى: أنفقوا وانظروا، هل يتقبل منكم؟ واستغفروا لهم أو لا تستغفر لهم، وانظر هل ترى اختلافاً بين حال الإستغفار وتركه؟
فإن قلت: ما الغرض في نفي التقبّل، أهو ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم تقبّله منهم، ورده عليهم ما يبذلون منه، أم هو كونه غير مقبول عند الله تعالى، ذاهباً هباء لا ثواب له؟ قلت: يحتمل الأمرين جميعاً. وقد روي أن الآية من تتمة جواب الجدّ بن قيس حيث قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم: هذا مالي أعينك به، فاتركني ولا تفتني. والله أعلم.