خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
٩٨
-التوبة

محاسن التأويل

{ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَماً } أي: يعدّ ما يصرفه في سبيل الله، ويتصدق به صورةً، غرامةَ وخسراناً، لأنه لا ينفق إلا تقية من المسلمين ورياءً، لا لوجه الله عزَّ وجلَّ، وابتغاء المثوبة عنده. والغرامة والمغرم والغُرم بالضم: ما ينفقه المرء من ماله وليس يلزمه، ضرراً محضاً وخسراناً؛ وقال الراغب: الغرم ما ينوب الْإِنْسَاْن في ماله من ضرر لغير جناية منه، { وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ } أي: ينتظر بكم دوائر الدهر ـ جمع دائرة وهي النكبة والمصيبة تحيط بالمرء ـ، فتربص الدوائر، انتظار المصائب، ليقلب أمر المسلمين ويتبدل، فيخلصوا مما عدّوه مغرماً { عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ } اعتراض بالدعاء عليهم، بنحو ما يتربصونه، أو إخبار عن وقوع ما يتربصون عليهم.
قال الشهاب: الدائرة إسم للنائبة، وهي بحسب الأصل مصدر، كالعافية والكاذبة، أو إسم فاعل بمعنى عقبة دائرة، والعقبة أصلها اعتقاب الراكبين وتناوبهما. ويقال: للدهر عُقَب ونُوَب ودُوَل، أي: مرة لهم ومرة عليهم. والسوء يقرأ بضم السين وهو الضرر، وهو مصدر في الحقيقة. يقال: سؤته سوءاً ومساءةًَ ومسائية، ويقرأ بفتح السين وهو الإفساد والرداءة - قاله أبو البقاء - { وَاللَّهُ سَمِيعٌ } أي: لما يقولونه عند الإنفاق مما لا خير فيه { عَلِيمٌ } أي: بما يضمرونه من الأمور الفاسدة التي منها تربصهم الدوائر. وفيه من شدة الوعيد ما لا يخفى.
ثم نوّه تعالى بمؤمني الأعراب الصادقين، بقوله سبحانه:
{ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ ... }.