خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
٩٦
إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ
٩٧
يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ
٩٨
وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ بِئْسَ ٱلرِّفْدُ ٱلْمَرْفُودُ
٩٩
-هود

تفسير المنار

حكمة هذه الآيات الأربع من قصة موسى - عليه السلام - مع فرعون وملئه، هي الإعلام بأن عاقبة فرعون وأشراف قومه اللعنة والهلاك ككفار أولئك الأقوام الظالمين، ولكن عذاب الخزي لم يشمل جميع قوم فرعون لما بيناه من قبل، ولم نر أحدا سبقنا إلى مثله، ولما كان إرسال موسى إلى فرعون لا يصح أن يعطف على إرسال شعيب إلى مدين لأنه لا يشاركه في نوعه المشترك مع إرسال صالح وهود - عطف على قوله { ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى } [هود: 69] وقد بينا حكمة اختلافه عما قبله فراجعه.
{ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين } أي بآياتنا التسع المعدودة في سورة الإسراء والمفصلة في غيرها (وقد سبق ذكرها في قصته من سورة الأعراف)، - وسلطان مبين - أي وبرهان واضح البيان، وهو ما آتاه الله من الحجة البالغة في محاوراته مع فرعون. وقيل: هي العصا لأنها أكبر آياته، وعطفها على ما قبلها من عطف الخاص على العام، ولكن الله قال:
{ وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها } [الزخرف: 48]
{ إلى فرعون وملئه } بينا مرارا أن الملأ أشراف القوم وزعماؤهم، وأضافهم إلى فرعون وخصهم بالذكر لأنهم أهل الحل والعقد والاستشارة في دولته الذين يسألهم رأيهم في موسى وغيره، ويعهد إليهم بتنفيذ ما يتقرر من الأمور كمسألة السحرة، وإنما يذكر قومه في مقام الاتباع له في الكفر والظلم وعذاب الآخرة دون عذاب الاستئصال { فاتبعوا أمر فرعون } في كل ما قرره من الكفر بموسى، وجمع السحرة لإبطال معجزته، ومن قتل السحرة لإيمانهم به، ومن تشديد الظلم على بني إسرائيل بتقتيل أبنائهم واستحياء نسائهم، وغير ذلك مما هو مفصل في قصته من السور الأخرى { وما أمر فرعون برشيد } أي: ما شأنه وتصرفه بذي رشد وهدي، بل هو محض الغي والضلال، والظلم والفساد. في غروره بنفسه وكفره بربه وطغيانه في حكمه، وماذا يكون جزاؤه مع قومه في الآخرة؟ الجواب.
{ يقدم قومه يوم القيامة } أي يتقدمهم ويكونون تبعا له في ذلك اليوم كما كانوا تابعين له في الدنيا إلا من كان مؤمنا { فأوردهم النار } أي: فيوردهم نار جهنم معه، أي: يدخلهم إياها، فالإيراد هنا بمعنى الإدخال كما استعمل الورود بمعنى الدخول، وعبر عنه بالفعل الماضي لتحقق وقوعه، وقيل: إن المراد أنه بإغرائه إياهم قد جعلهم مستحقين لها، وقد ورد أن آله يعرضون عليها منذ ماتوا صباحا ومساء من كل يوم وهو قوله - تعالى -:
{ وحاق بآل فرعون سوء العذاب * النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } [غافر: 45-46].
{ وبئس الورد المورود } هي لأن وارد الماء يرده لتبريد كبده وإطفاء غلته من حر الظمأ، ووارد النار يحترق فيها احتراقا، وفيه إشارة إلى الخيبة.
الورود في أصل اللغة بلوغ الماء وموافاته في مورده من نهر وغيره، والورد بالكسر اسم المصدر، ويطلق على الماء، يقال: ورد البعير أو غيره الماء يرده وردا فهو وارد والماء مورود، أورده إياه إيرادا جعله يرده، ومنه ورود جهنم بمعنى دخولها. قال ابن عباس - رضي الله عنه - في الآية: الورود الدخول. وقال: الورود في القرآن أربعة أوراد، في هود قوله: { وبئس الورد المورود } [هود: 98] وفي مريم:
{ وإن منكم إلا واردها } [مريم: 71] وورد في الأنبياء: { حصب جهنم أنتم لها واردون } [الأنبياء: 98] وورد في مريم أيضا: { ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا } [مريم: 86] وكان يقول: والله ليردن جهنم كل بر وفاجر { ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا } [مريم: 72].
{ وأتبعوا في هذه لعنة } أي: وألحقت بهم في الدنيا لعنة أتبعهم الله إياها بقوله:
{ وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين } [القصص: 42] وقال هنا: { ويوم القيامة } أي وأتبعوا يوم القيامة لعنة أخرى، فهم يلعنون في الدنيا والآخرة. وقد سمى هذه رفدا ; تهكما بهم فقال: { بئس الرفد المرفود } الرفد (بالكسر) في أصل اللغة العطاء والعون: يقال: رفده (من باب ضرب) أعانه وأعطاه، وأرفده مثله، أو جعل له رفدا يتناوله شيئا فشيئا، فرفده وأرفده كسقاه وأسقاه، - وبئس الرفد المرفود - أي العطاء المعطى هذه اللعنة التي أتبعوها، وحكى الماوردي عن الأصمعي أن الرفد بالفتح، القدح وبالكسر ما فيه من الشراب، هو تفسير للعام بالخاص مناسب للورد المورود قبله. أي بئس ما يسقونه في النار عندما يردونها ذلك الشراب الذي يسقونه فيها، وهو ما وصفه الله - تعالى - بقوله: { وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم } [محمد: 15].
والعبرة في الآيات: أنه لا يزال يوجد في البشر فراعنة يغوون الناس ويستخفونهم ويستعبدونهم فيطيعونهم ويذلون لهم ذل العبد لسيده، والحمار لراكبه، والحيوان لمالكه، ولم يستفيدوا شيئا من هداية القرآن ورشده، وتجهيله لقوم فرعون في اتباع أمره، مع وصفه بقوله:
{ وما أمر فرعون برشيد } [هود: 97] وبيان أنه كان سببا لإتباعهم لعنة في الدنيا ولعنة يوم القيامة، وأنه سيقودهم في الآخرة إلى النار، كما قادهم في الدنيا إلى الغي والفساد، ومنهم من يدعون الإسلام ولم يفقهوا قول الله - تعالى - لرسوله في آية مبايعة النساء { ولا يعصينك في معروف } [الممتحنة: 12] وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا طاعة لأحد في معصية الله" إنما الطاعة في المعروف (متفق عليه من حديث علي).