خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ قَالَ يٰبُشْرَىٰ هَـٰذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ
١٩
وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّاهِدِينَ
٢٠
-يوسف

تفسير المنار

هاتان الآيتان في استعباد قافلة من التجار ليوسف - عليه السلام - والاتجار به.
{ وجاءت } ذلك المكان الذي كانوا فيه { سيارة } صيغة مبالغة من السير ((كجوالة، وكشافة)) أي جماعة أو قافلة. وفي سفر التكوين أنهم كانوا من الإسماعيليين أي من العرب فأرسلوا واردهم المختص بورود الماء للاستقاء لهم { فأدلى دلوه } أي أرسله ودلاه في ذلك الجب فتعلق به يوسف، فلما خرج ورآه { قال يا بشرى هذا غلام } يبشر به جماعته السيارة قرأها الجمهور ((يا بشراي)) بالإضافة إلى ياء المتكلم، والكوفيون بدونها، وأمال ألفها حمزة والكسائي. ونداء البشرى معناه أن هذا وقتها وموجبها فقد آن لها أن تحضر، ومثله قولهم: يا أسفى ويا أسفي، ويا حسرتا ويا حسرتي، إذا وقع ما هو سبب لذلك. فاستبشر به السيارة { وأسروه بضاعة } أي أخفوه من الناس لئلا يدعيه أحد من أهل ذلك المكان؛ لأجل أن يكون بضاعة لهم من جملة تجارتهم، والبضاعة ما يقطع من المال ويفرز للاتجار به، مشتق من البضع وهو الشق والقطع، ومنه البضعة والبضع من العدد وهي من ثلاث إلى تسع، والبضعة من اللحم وهي القطعة. وما قيل من أن الذين أسروه هم الوارد الذي استخرجه ومن كان معه دون سائر السيارة، أو أن الضمير في: { وأسروه } لإخوة يوسف فهو خلاف الظاهر { والله عليم بما يعملون } أي بما يعمله هؤلاء السيارة وما يعمله إخوة يوسف، فلكل منهم أرب في يوسف: السيارة يدعون بالباطل أنه عبد لهم فيتجرون به، وإخوة يوسف أمرهم مع أبيهم في إخفائه وتغريبه ودعوى أكل الذئب إياه معلوم وأنه كيد باطل، وحكمة الله - تعالى - فيه فوق كل ذلك.
{ وشروه بثمن بخس دراهم معدودة } شرى الشيء يشريه باعه واشتراه ابتاعه، أي باعوه بثمن قليل ناقص عن ثمن مثله على أنه ليس له مثل، هو دراهم لا دنانير، معدودة لا موزونة، وإنما يعد القليل، ويوزن الكثير، وكانت العرب تزن ما بلغ الأوقية وهي أربعون درهما فما فوقها وتعد ما دونها، ولهذا يعبرون عن القليلة بالمعدودة، والبخس في اللغة الناقص والمعيب
{ ولا تبخسوا الناس أشياءهم } [الأعراف: 85] وروي تفسيره هنا بالحرام وبالظلم لأنه بيع حر، فيكون وصفه بدراهم معدودة مستقلا لا تفسيرا لبخس، وظاهر النظم أن الذين شروه هم السيارة. وفي سفر التكوين أن إخوته قرروا بيعه للإسماعيليين، وقد أخرجه من الجب جماعة من مدين وباعوه لهم وقد بعد ذكرهم، ويحتمل أن يكون لفظ وشروه وقد استعمل بمعنى اشتروه وهو مسموع، ويكون المراد أنهم اشتروه من إخوته بثمن بخس ثم باعوه في مصر بثمن بخس أيضا، وهو إدماج من دقائق الإيجاز، وأما الثمن البخس الذي بيع به ففي سفر التكوين أنه كان عشرين ((شاقلا)) من الفضة، وقدر علماء التاريخ القديم الشاقل بخمسة عشر غراما من الوزن العشري اللاتيني المعروف في عصرنا فيكون ثمنه 300 غرام من الفضة، وهي تقرب من 94 درهما من دراهمنا اليوم، وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه عشرون درهما ولعله سمعه عن اليهود فظن أن العشرين عندهم هي الدراهم عند العرب { وكانوا فيه من الزاهدين } أي وكان هؤلاء الذين باعوه من الراغبين عنه الذين يبغون الخلاص منه لئلا يظهر من يطالبهم به لأنه حر، والثمن لم يكن مقصودا لهم ولهذا قنعوا بالبخس منه.