خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَللَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
١٨٠
لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ
١٨١
ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ
١٨٢
ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ ٱلنَّارُ قُلْ قَدْ جَآءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِٱلْبَيِّنَاتِ وَبِٱلَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
١٨٣
فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآءُوا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلزُّبُرِ وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُنِيرِ
١٨٤
-آل عمران

تفسير المنار

قال الأستاذ الإمام: هذا كلام جديد مستقل لا يتعلق بوقعة أحد، لا على سبيل القصد ولا على سبيل الاستطراد، فقد جاء في سياق القصة آيات في شئون الكافرين في أنفسهم وما يليق بهم من الخزي والعقوبة ونحو ذلك تذكر للمناسبة، ثم يعود الكلام إلى ما يتعلق بالوقعة وقد انتهى ذلك بالآيات التي قبل هذه الآيات، وأما هذه وما بعدها إلى آخر السورة فهي في ضروب من الإرشاد، وذلك لا يمنع أن يكون بينها وبين ما قبلها تناسب، بل التناسب فيها ظاهر. وأقول: إن الوجه في وصل هذه الآيات بما قبلها هو أن الكلام قبلها في وقعة أحد وما كان فيها من شأن المنافقين، وكان الكلام قبلها في حال اليهود، وقبلها في حال النصارى مع الإسلام بمناسبة الكلام في أول السورة في التوحيد، والكتاب العزيز، واختلاف الناس فيه، فلما انتهى ما أراد الله بيانه في هذا السياق - ومنه أنه أيد دينه وأعز حزبه حتى إنه جعل خطأهم في الحرب مفيدا لهم - عاد إلى بيان حال اليهود، وإقامة الحجة عليهم، فقال:
ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم قال الإمام الرازي: اعلم أن الله - تعالى - لما بالغ في التحريض على بذل النفس في الجهاد في الآيات المتقدمة شرع هاهنا في التحريض على بذل المال في الجهاد، وبين الوعيد الشديد لمن يبخل ببذل المال في سبيل الله. اهـ.
وحسبك ما علمت من وجه اتصال الآيات كلها بما قبلها.
قرأ حمزة: " تحسبن " بالمثناة الفوقية على أن الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - أو لكل حاسب، وفي الكلام تقدير، أي لا تحسبن بخل الذين يبخلون هو خيرا لهم. وقرأ الباقون: " يحسبن " بالمثناة التحتية، والتقدير على هذه القراءة: ولا يحسبن الذين يبخلون بكذا بخلهم خيرا لهم. أو لا يحسبن أحد، أو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخل الذين يبخلون بكذا خيرا لهم. وإعادة الضمير على مصدر محذوف لدلالة فعله، أو وصف منه، عليه كثير في كلام العرب. ومنه قوله - تعالى -:
{ اعدلوا هو أقرب للتقوى } [المائدة: 8] أي العدل وقال الشاعر:

إذا نهى السفيه جرى إليه وخالف، والسفيه إلى خلاف

أي إذا نهى عن السفه جرى إليه، وكان النهي إغراء له به. وأنشد الفراء:

هم الملوك وأبناء الملوك هم والآخذون به والسادة الأول

قالوا: والآخذون به، أي بالملك.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس: أن الآية نزلت في أهل الكتاب الذين كتموا صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - ونبوته، فالبخل على هذا هو البخل بالعلم، وبيان الحق. وروي عن الصادق، وابن مسعود، والشعبي، والسدي، وغيرهم: أنها نزلت في مانعي الزكاة. وقال الأستاذ الإمام: أكثر المفسرين على أن المراد بما آتاهم الله من فضله: المال، وأن البخل به هو البخل بالصدقة المفروضة فيه، وعدم التصريح بذلك من ضروب إيجاز القرآن، فكثيرا ما يترك التصريح بالقول لأنه مفهوم من السياق، والقرائن دالة عليه، واللبس مأمون، فلا يخطر ببال أحد أن الوعيد هو على البخل بجميع ما يملك الإنسان من فضل ربه عليه، فإن الله أباح لنا الطيبات، والزينة في نص كتابه، والعقل يجزم أيضا بأن الله لا يكلف الناس بذل كل ما يكسبون، وأن يبقوا جائعين عراة بائسين. وذهب آخرون إلى أن ذلك هو العلم، وأن الكلام في اليهود الذين أوتوا صفات النبي - صلى الله عليه وسلم - فكتموها، والأولى أن تبقى على عمومها، فإن المال من فضل الله، وكذلك العلم، والجاه، والناس مطالبون بشكر ذلك، والبخل على الناس به كفر لا شكر.
قال: والحكمة في ترك النص على أن البخل المذموم هنا هو البخل بما يجب بذله مما يتفضل الله به على المكلف، هي أن في العموم من التأثير في النفس ما ليس للتخصيص، وهذه السورة متأخرة في النزول، وكانت أكثر الأحكام إذا أنزلت مقررة، فإذا طرق سمع المؤمن هذا القول تذكر فضل الله عليه، وأن عليه فيه حقا للناس، وأن هذا الخطاب يذكر به، سواء منه ما هو معلوم معين، وما ليس بمعلوم ولا معين، بل هو موكول إلى اجتهاده الذي يتبع عاطفة الإيمان. وإنما نفى أولا كونه خيرا، ثم أثبت كونه شرا مع أن الثاني هو الظاهر الذي لا يمارى فيه؛ لأن المانع للحق إنما يمنعه لأنه يحسب أن في منعه خيرا له لما في بقاء المال في اليد مثلا من الانتفاع به بالتمتع باللذات، ودفع الغوائل، والآفات، وتوهم التمكن من قضاء الحاجات، فإن قيل: إن التحديد كان أوضح، وأنفى للإيهام. قلنا: إن القرآن كتاب هداية، ووعظ يخاطب الأرواح ليجذبها إلى الخير بالعبارة التي هي أحسن تأثيرا لا ككتب الفقه، وغيره من كتب الفنون التي تتحرى فيها التعريفات الجامعة المانعة، وكتاب هذا شأنه لا يجري على السنن الذي لا يليق إلا بضعفاء العقول الذين فسدت فطرهم بالتعاليم الفاسدة، يعني تلك التعاليم التي تشغل الأذهان بعبارتها الضيقة، وأساليبها المعقدة، فلا ينفذ إلى القلب شيء مما يعتصر منها؛ ولذلك قال: وإن مثل هذه العبارة المطلقة التي تخطر في البال بذل كل ما في اليد، وتكاد توجبه - لولا الدلائل الأخرى - تحدث في النفس أريحية للبذل تدفعها إلى بذل الواجب، وزيادة عليه. وأقول: إن هذه العبارة الأخيرة مبنية على القول بأن المراد بما يبخل به هو المال، فإذا جرينا على القول الآخر المختار وهو أنه يعم المال، والعلم، والجاه، وكل فضل من الله على العبد يمكنه أن ينفع به الناس، يمكننا أن نجعلها من قبيل المثال، ونقول: إن التحديد في بيان ما يجب بذله للناس من الجاه، والعلم متعذر، إذا فرضنا أن ما يجب بذله في المال متيسر، وبهذا كانت الآية شاملة لما لا يتأتى تفصيله، إلا بصحف كثيرة، وكان الجواب أظهر، والإيجاز أبلغ في الإعجاز وأكبر.
أقول: ويؤيد العموم في قوله: بما آتاهم الله العموم في الجزاء على ذلك البخل في قوله: { سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة } ولم يقل: سيطوقون زكاتهم، أو المال الذي منعوه، أما معنى التطويق فقد يكون من الطاقة، فيكون بمعنى التكليف؛ أي سيكلفون ذلك في الآخرة فلا يجدون إليه سبيلا كقوله:
{ { ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون } [القلم: 42] وقد يكون من الطوق، أي سيجعل ما بخلوا به طوقا في أعناقهم يوبقون بما يلزمهم من الجزاء عليه فلا يجدون عنه مصرفا، وسيأتي نحو ذلك في المأثور. وقال الأستاذ الإمام: إن الآية لم تبينه ولا أشارت إلى كيفيته، فإن ورد في صحيح ما بينه اتبع الوارد بقدره لا يزاد ولا ينقص منه، ووجب الإيمان به عند من صح عنده على أنه من خبر الغيب الذي أمرنا بالإيمان به لمحض الاتباع، وذهب بعض المفسرين إلى أن معناه أنهم يحملون تبعة أموالهم، يقال: طوقني الأمر أي ألزمني إياه، فحاصل المعنى على هذا: أن العقاب على البخل لزام لا مرد له.
أقول: فسر بعضهم التطويق بحديث أبي هريرة عند البخاري، والنسائي:
"من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له شجاع (ثعبان معروف) أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة فيأخذ بلهزمتيه (أي شدقيه) يقول: أنا مالك، أنا كنزك" ، ثم تلا هذه الآية وفي رواية للنسائي: "إن الذي لا يؤدي زكاة ماله يخيل إليه ماله يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان فيلزمه، أو يطوقه يقول: أنا كنزك، أنا كنزك" . هناك روايات عند ابن جرير، وغيره أن ذلك يكون طوقا من النار في عنق من يبخل، والتمثيل، والتخييل خلاف الحقيقة، فهو نحو ما يرى في النوم، ولكن هناك روايات عند ابن جرير وغيره ليس فيها لفظ التمثيل، ولا التخييل، وما ذكرناه أصح، وابن عباس (رضي الله عنه) لا يقول بهذا التفسير؛ لأن الآية عنده في البخل بالعلم، لأنها نزلت في بخل اليهود بإظهار صفات النبي - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم. روى ابن جرير من طريق محمد بن سعد، عنه أنه قال: " قوله سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ألم تسمع أنه قال: يبخلون ويأمرون الناس بالبخل، يعني أهل الكتاب يكتمون ويأمرون الناس بالكتمان، وروي عن مجاهد أنه قال في تفسيرها: " سيكلفون أن يأتوا بمثل ما بخلوا به من أموالهم يوم القيامة "، ولقول مجاهد وجه في اللغة أشد ظهورا على قول ابن عباس في الآية؛ أي يكلفون بيان ما كتموا، ففي لسان العرب: " وطوقتك الشيء كلفتكه، وطوقني الله أداء حقك قواني، " وذكر ذلك وجها في الآية، وفي حديث بمعناها قبل هذه العبارة، فقال بعد أن أورد قولهم: تطويقه الشيء بمعنى جعله طوقا له: " وقيل: هو أن يطوق حملها يوم القيامة، فيكون من طوق التكليف لا من طوق التقليد " أقول: وأما تفسير طوقني الله أداء حقك ب " قواني "، فهو من طاقة الحبل، وهي إحدى قواه لا من الطوق، والمختار ما قلناه أولا.
{ ولله ميراث السماوات والأرض } أي إن له وحده - سبحانه - جميع ما في السماوات والأرض مما يتوارثه الناس، فينقل من واحد إلى آخر لا يستقر في يد، ولا يسلم التصرف فيه لأحد إلى أن يفنى جميع الوارثين والمورثين، ويبقى المالك الحقيقي وهو رب العالمين، أو معناه أنه هو الذي ينقل كل ما يورث إلى من شاء من عباده، فقد يدخر المرء مالا لولده فيجعله الله بسننه في نظام الاجتماع متاعا لغيرهم، كأن يموتوا قبل والدهم أو يضيعوا ما جمعه لهم بالإسراف فيه، ويبقون فقراء كأنه يقول: ما بال هؤلاء الباخلين بما أعطاهم الله من فضله وإحسانه لا يفيضون بشيء منه على عياله مغترين بتصرفهم الظاهر فيه، وملكهم الانتفاع به، ذاهلين عن مصدره الذي جاء منه، وعن مرجعه الذي يعود إليه، فإن لاح في خاطر أحد منهم أنه يموت، ويفنى لم يخطر له إلا أن له وارثا يرث ما يتمتع هو به كأولاده وذي القربى؛ فكأنه يبقى في يده، فليعلم هؤلاء أن الوارث الذي ينتهي إليه التصرف فيما يتركه الهالكون، هو المالك الحقيقي الذي أعطى أولئك الهالكين ما كانوا به يتمتعون، وذلك يشمل المال وغيره.
الأستاذ الإمام: العبارة تبين أن كل ما يعطاه الإنسان من مال، وجاه، وقوة، وعلم فإنه عرض زائل، وصاحبه يفنى ويزول، ولا معنى لاستبقاء الفاني ما هو فان مثله، بل عليه أن يضع كل شيء في موضعه الذي يصلح له، ويبذله في وجوهه اللائقة به؛ أي فهو بذلك يكون خليفة لله في إتمام حكمته في أرضه، ومحسنا للتصرف فيما استخلفه فيه.
والله بما تعملون خبير قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: " يعلمون " بالمثناة التحتية، والباقون بالمثناة الفوقية؛ أي لا يخفى عليه شيء من دقائق عملكم، ولا مما تنطوي عليه الصدور من الهوى فيه والنية في إتيانه، فيجزى كل عامل بما عمل على حسب تأثير عمله في نفسه.
لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء أخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق عكرمة، عن ابن عباس قال:
" دخل أبو بكر بيت المدارس، فوجد من يهود ناسا كثيرا قد اجتمعوا إلى رجل منهم، يقال له فنحاص، وكان من علمائهم، وأحبارهم، فقال أبو بكر: ويحك يا فنحاص، اتق الله، وأسلم، فوالله إنك لتعلم أن محمدا رسول الله، تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة، قال فنحاص: والله يا أبا بكر، ما بنا إلى الله من فقر، وإنه إلينا لفقير، وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا، وإنا عنه لأغنياء، ولو كان عنا غنيا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم، ينهاكم عن الربا، ويعطيناه، ولو كان غنيا عنا ما أعطانا الربا. فغضب أبو بكر، فضرب وجه فنحاص ضربة شديدة، وقال: والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدو الله، فذهب فنحاص إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد، انظر ما صنع بي صاحبك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: يا رسول الله، إن عدو الله قال قولا عظيما، زعم أن الله فقير، وأنهم عنه أغنياء، فلما قال ذلك غضبت لله مما قال، فضربت وجهه، فجحد ذلك فنحاص، فقال: ما قلت ذلك،" فأنزل الله - تعالى - فيما قال فنحاص ردا عليه، وتصديقا لأبي بكر هذه الآية. وفي قول أبي بكر وما بلغه في ذلك من الغضب ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا - الآية الآتية بعد آيات - وأخرج ابن المنذر، عن قتادة أنه قال: ذكر لنا أنها نزلت في حيي بن أخطب لما أنزل الله: { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة } [البقرة: 245] قال: يستقرضنا ربنا، إنما يستقرض الفقير الغني، وأخرج الضياء، وغيره من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أتت اليهود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أنزل الله - تعالى -: { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا } فقالوا يا محمد: فقير ربك يسأل عباده القرض؟ فأنزل الله الآية. فالظاهر أن هذه المجازفة في القول قد وقعت من غير واحد من يهود، وما يقوله البعض، ويجيزه الجمع يسند إلى القائلين، والمجيزين جميعا، والظاهر أنهم قالوا ذلك تهكما بالقرآن، ورواية فنحاص ليس لها مناسبة ظاهرة.
سمع الله قول هؤلاء المجازفين لم يفته، ولم يخف عليه، فهو سيجزيهم عليه، فهذا التعبير يتضمن التهديد، والوعيد كما يتضمن قوله: " سمع الله لمن حمده " البشارة، والوعد بحسن الجزاء، وكما يتضمن قوله:
{ قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما } [المجادلة: 1] مزيد العناية، وإرادة الإشكاء، والإغاثة، ذلك بأن قولك: سمعت ما قال فلان يشعر بما لا يشعر به قولك: علمت بما قال، والسمع هو العلم بالمسموعات خاصة بوجه خاص، وذهب بعض من كتب في علم الكلام إلى أن سمع الباري - تبارك وتعالى - يتعلق بجميع الموجودات، لا يختص بالكلام، أو بالأصوات، وهو رأي تنكره اللغة، ولا يعرفه الشرع. وليس للرأي، أو العقل أن يتحكم في صفات الله - تبارك وتعالى - بنظرياته، وأقيسته، ومن فائدة التعبير بسمع الله لكلام عباده مراقبتهم له في أقوالهم، ولا تتحقق هذه الفائدة بخصوصها على رأي ذلك المتكلم.
{ سنكتب ما قالوا } وعيد لهم على ذلك القول الذي قالوه استهزاء بالقرآن. قرأ حمزة: " سيكتب " بالياء المضمومة، أي سيكتب قولهم هذا، ويثبت عند الله - تعالى - فيعاقبهم عليه لأنه لا يفوته. وقرأ الباقون بالنون. قال الأستاذ الإمام: قال مفسرنا كغيره، أي نأمر بكتابته، وغفلوا عن قوله: { وقتلهم الأنبياء بغير حق } فإنه كان من سلفهم، فما معنى التعبير عن كتابة بصيغة الاستقبال؟ لا بد من تفسيره بوجه يصح في الأمرين، ولكن ضعف المسلمين في لغة القرآن هو الذي أوقعهم في هذا الضعف في الفهم والضعف في الدين، وتبع ذلك الضعف في كل شيء. ولا يقال - كما زعم بعض المجاورين - إن الفعل إذا أسند إلى الله - تعالى - يتجرد من الزمان، فإن الكلام في اختلاف التعبير. والمعنى الصحيح لهذه الكلمة: " سنعاقبهم على ذلك حتما "، فإن الكتابة هنا عبارة عن حفظه عليهم، ويراد به لازمه، وهو العقوبة عليه، والتوعد بحفظ الذنب، وكتابته، وإرادة العقوبة عليه شائع مستعمل حتى اليوم فلا يحتاج إلى دقة نظر، ولفظ الكتابة آكد من لفظ الحفظ لما فيه من معنى الاستتباب، وأمن النسيان. وإنما ضم قتل الأنبياء - وهو أفظع جرائم هذا الشعب - إلى الجريمة التي سبق الوعيد لأجلها لبيان أن مثل هذا الكفر، والتهور ليس بدعا من أمرهم، فإنه سبق لهم أن قتلوا الهداة المرشدين بعد ما جاءوهم بالبينات، فهم يجرون في هذا على عرق وليس هو بأول كبائرهم، وللإيذان بأن الجريمتين سيان في العظم، واستحقاق العقاب (كما قال صاحب الكشاف).
وأما إضافة القتل إلى الحاضرين فقد تقدمت حكمته في سورة البقرة، ويشير إليه قول المفسرين: إنهم يعدون قتلة لرضاهم بما فعله سلفهم، وهذا تحويم حول المعنى الذي أوضحناه هناك، وهو أن الأمم متكافلة في الأمور العامة إذ يجب على الأمة الإنكار على فاعل المنكر من أفرادها، وتغييره، أو النهي عنه لئلا يفشو فيها، فيصير خلقا من أخلاقها، أو عادة من عاداتها، فتستحق عقوبته في الدنيا كالضعف، والفقر، وفقد الاستقلال، كما تستحق عقوبته في الآخرة بما دنس نفوسها؛ ولذلك لعن الله - تعالى - الذين كفروا من بني إسرائيل بما عصوا وكانوا يعتدون، وبين سبب ذلك بقوله:
{ { كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه } [المائدة: 79].
ذلك بأن من أقر فاعل المنكر فلم ينهه ولم يسخط عليه تكون نفسه مشاكلة لنفسه، تأنس بما تأنس به، ثم لا يلبث أن يفعل المنكر، ولو بعد حين ما لم يكن عاجزا عن ذلك بسبب من الأسباب الحسية، كضعف الجسم، أو قلة المال، أي إن مثل هذا لا يترك المنكر لأنه رذيلة تدنس نفس فاعلها، فيكون بعيدا من الخير غير مستحق لرضوان الله - عز وجل -. قال الأستاذ الإمام: وثم وجه آخر يجعل إسناد المنكر إلى مقره، والراضي به إسنادا قريبا من الحقيقة، وهو أن عدم النهي عن المنكر هو السبب في انتشاره وشيوعه؛ لأن الميالين إلى المنكر لو علموا أن الناس يمقتونهم، ويؤاخذونهم عليه لما فعلوه إلا ما يكون من الخلس الخفية، ولذلك كان الساكت على المنكر شريك الفاعل في الإثم، قال: كل هذا ظاهر فيمن يفعل المنكر في زمنه، ولا ينكره، وأما من يقع المنكر من قومهم قبل زمنهم كاليهود الذين نزلت هذه الآية وأمثالها فيهم كقوله: فلم قتلتموهم؟ فهم يتفقون مع من سبقهم في علة الجريمة، ومبعثها من النفس، وهو عدم المبالاة بالدين، وقد كان هذا الخلف متفقين مع من سبقهم في الأخلاق، والسجايا، وينتسبون إليهم انتساب حسب وتشرف، أي فهم جديرون بأن يكونوا على شاكلتهم.
وأقول: إن المتأخر ربما كان أضرى بالشر من المتقدم لتمكن داعية الشر من نفسه بالوراثة والقدوة جميعا. وقد حاول غير واحد من اليهود قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - كما كان آباؤهم يفعلون بل هم الذين قتلوه، فإنه مات بالسم الذي وضعته له اليهودية في الشاة بخيبر، فقد ورد في الحديث
"أنه قال لعائشة في مرض موته: يا عائشة، ما زلت أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري" رواه البخاري في صحيحه وفي رواية لغيره من حديث أبي هريرة "ما زالت أكلة خيبر تعاودني كل عام حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري" .
الأستاذ الإمام: إن الله - تعالى - نبهنا بهذا الضرب من التعبير إلى أن المتأخر إذا لم ينظر إلى عمل المتقدم بعين البصيرة، ويطبقه على الشريعة، فيستحسن منه ما استحسنت، ويستقبح ما استهجنت، ويسجل على المسيء من سلفه إساءته، وينفر منها، فإنه يعد عند الله - تعالى - مثله، وشريكا له في إثمه ومستحقا لمثل عقوبته، فعليكم باتخاذ الوسائل لإزالة المنكرات الفاشية، ولا بد في ذلك من بذل الجهد، وإعمال الروية والفكر، وما علينا الآن في مثل هذه البلاد إلا الحيلة في بذل النصح، والإرشاد، بأي ضرب من ضروبه، وكل أسلوب من أساليبه.
{ ونقول ذوقوا عذاب الحريق } وقرأ حمزة: " ويقول ". قال الأستاذ الإمام: الذوق عبارة عن الشعور بالألم، أو ضده، فمعنى ذوقوا: تألموا. أما كيفية القول فلا نبحث فيها، أو إنما نعلم أن الله - تعالى - يوصل هذا المعنى إليهم.
أقول: وزعم بعض المستشرقين أن هذا الاستعمال لم يكن معروفا عند العرب قبل القرآن، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذه من التوراة، وهو زعم باطل، وبمثله يستدلون على اقتباس النبي من كتبهم، فقد روي أن أبا سفيان قال لما رأى حمزة - عليه رضوان الله - مقتولا: " ذق عقق " أي ذق عاقبة إسلامك أيها العاق لدين آبائك، ولمن ثبت عليه من قومك فلم يدخلوا في الإسلام. نعم: إن أصل الذوق هو ما يكون باللسان لمعرفة طعم الطعام، ثم توسعوا فيه فاستعملوه في غير ذلك من المحسوسات كقولهم: " ذقت القوس " إذا جذبت وترها لتنظر ما شدتها. وقولهم: ذقت الرمح إذا غمزتها قال ابن مقبل:

يهززن للمشي أوصالا منعمة هز الشمال ضحى عيدان يبرينا
أو كاهتزاز رديني تذاوقه أيدي التجار فزادوا متنه لينا

كذا في لسان العرب. وفي الأساس " أيدي الكماة " بدل " أيدي التجار "، وقال ابن الأعرابي: الذوق يكون بالفم، وبغير الفم، ثم استعملوه في المعاني، قال ابن طفيل:

فذوقوا كما ذقنا غداة محجر من الغيظ في أكبادنا والتحوب

ومن هذا القبيل استعماله في معرفة جيد الشعر، وأحاسن الكلام. و عذاب الحريق معناه: عذاب هو الحريق.
ذلك بما قدمت أيديكم أي ذلك العذاب الذي تذوقون مرارته، أو حرارته بسبب ما قدمتم في الدنيا من الأعمال. عبر عن الأشخاص بالأيدي لأن أكثر الأعمال تزاول بها، وليفيد أن ما عذبوا عليه هو من عملهم حقيقة لا مجازا، فإن نسبة الفعل إلى يد الفاعل تفيد من إلصاقه به ما لا تفيده نسبته إلى ضميره؛ لأن الإسناد إلى اليد يمنع التجوز، فمن المعهود أن يقال: فلان فعل كذا إذا أمر به، أو مكن العامل منه، وإن لم يباشره بنفسه، ومتى أسند إلى يده تعين أن يكون باشر فعله بنفسه، وإن لم يكن من عمل الأيدي، ويدخل في قوله: بما قدمت أيديكم جميع ما كان منهم من ضروب الكفر، والفسوق، والعصيان.
{ وأن الله ليس بظلام للعبيد } أي ذلك العذاب إنما يصيبكم بعملكم وبكونه - تعالى - عادلا في حكمه، وفعله لا يجور ولا يظلم، فيعاقب غير المستحق للعقاب ولا يجعل المجرمين كالمتقين، والكافرين كالمؤمنين، فلو كان - سبحانه - ظلاما لجاز ألا يذوقوا ذلك العذاب على كفرهم به، واستهزائهم بآياته، وقتلهم لأنبيائه بأن يجعلوا مع المقربين في جنات النعيم وإذا لكان الدين عبثا
{ { أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار } [ص: 28]، { { أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون } [الجاثية: 21]، { { أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون } [القلم: 35 - 36] فالاستفهام الإنكاري في هذه الآيات يدل على أن ترك تعذيب أولئك الكفرة الفجرة هو من المساواة بين المحسن، والمسيء، ووضع الشيء في غير موضعه، وناهيك به ظلما كبيرا، فبهذا كله تعلم أن استشكال عطف نفي الظلم على جرائمهم في غير محله، والمبالغة بصيغة " ظلام " أفادت أن ترك مثلهم يعد ظلما كبيرا، أو كثيرا.
وقال الأستاذ الإمام: يعني أن هذه العقوبة عدل منه - سبحانه - وأشار بصيغة المبالغة (ظلام) إلى أن مثل هذه التسوية لا تصدر إلا ممن كان كثير الظلم مبالغا فيه. وقال غيره: إنه لما كان القليل من الظلم يعد كثيرا بالنسبة إلى رحمته الواسعة عبر في نفيه بصيغة المبالغة الدالة على الكثرة.
الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار أي أولئك هم الذين قالوا في الاعتذار عن عدم الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم - : إن الله عهد إلينا في كتابه التوراة ألا نؤمن لرسول يدعي أنه مرسل من الله حتى يأتينا بقربان تأكله النار.
قال المفسرون: إنهم أرادوا شيئا كان شائعا عندهم، وهم أن يذبح القربان من النعم، أو غيرها، فيوضع في مكان معين فتأتي نار بيضاء من السماء لها دوي فتأخذه، أو تحرقه وروى ابن جرير، عن ابن عباس: أن الرجل منهم كان يتصدق بالصدقة، فإذا تقبل منه نزلت عليه نار من السماء، فأكلته؛ أي أكلت ما تصدق به. هذا ما أورده، وردوه بأن هذا القربان إنما كان يوجب الإيمان لأنه معجزة لا لذاته إذ هو كغيره من المعجزات.
أقول: إن القربان في عبادة بني إسرائيل كان على قسمين: دموي، وغير دموي. فالقرابين الدموية كانت تكون من الحيوانات الطاهرة كالبقر، والغنم، والحمام، وغير الدموية هي باكورات المواسم، والخمر، والزيت، والدقيق. والقرابين عندهم أنواع منها: المحرقات، والتقدمات، وذبائح السلامة، وذبائح الخطيئة، وذبائح الإثم. وكانوا يحرقون المحرقات بأيديهم. وقد جاء في الفصل الأول من سفر اللاويين في ذلك ما نصه:
1- ودعا الرب موسى. وكلمه من خيمة الاجتماع قائلا
2- كلم بني إسرائيل وقل لهم. إذا قرب إنسان منكم قربانا للرب من البهائم فمن البقر، والغنم تقربون قرابينكم.
3- إن كان قربانه محرقة من البقر فذكرا صحيحا يقربه إلى باب خيمة الاجتماع يقدمه للرضا عنه أمام الرب.
4- ويضع يده على رأس المحرقة فيرضى عليه للتكفير عنه.
5- ويذبح العجل أمام الرب، ويقرب بنو هارون الكهنة الدم، ويرشون الدم مستديرا على المذبح الذي لدى باب خيمة الاجتماع.
6- ويسلخ المحرقة، ويقطعها إلى قطعها.
7- ويجعل بنو هارون الكاهن نارا على المذبح، ويرتبون حطبا على النار.
8- ويرتب بنو هارون الكهنة القطع مع الرأس، والشحم فوق الحطب الذي على النار التي على المذبح.
9- وأما أحشاؤه وأكارعه فيغسلها بماء ويوقد الكاهن الجميع على المذبح محرقة وقود رائحة سرور للرب "
ثم ذكر تفصيل قربان الغنم بصنفيه الضأن والمعز، والطير وهو صنفان أيضا الحمام واليمام بنحو ما تقدم كما بين بقية أنواع القرابين. فمن هنا تعلم أنهم كانوا يوقدون النار بأيديهم ويحرقون بها القرابين المحرقات، ولكن اليهود كانوا يلقون إلى المسلمين أخبارا من خرافاتهم، أو مخترعاتهم ليودعوها كتبهم، ويمزجوها بدينهم، ولذلك نجد في كتب قومنا من الإسرائيليات الخرافية ما لا أصل له في العهد القديم، ولا يزال يوجد فينا من يقدس كل ما روي عن أوائلنا في التفسير، وغيره، ويرفعه عن النقد والتمحيص، ولا يتم تمحيص ذلك إلا لمن اطلع على كتب بني إسرائيل.
أما الأستاذ الإمام فقد ذكر ما قاله المفسرون في القربان، ثم قال: ويجوز وهو الأظهر أن يكون معنى حتى يأتينا بقربان تأكله النار أن يفرض علينا تقريب قربان يحرق بالنار، فقد كان من أحكام الشريعة عندهم أن يحرقوا بعض القربان وقد أمر الله - تعالى - نبيه أن يرد عليهم فقال: قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين في زعمكم لا تؤمنون بي لأني لم آمر بإحراق القرابين، أي إنكم لم ترضوا بعصيان أولئك الرسل فقط بل قسوتم عليهم، وقتلتموهم.
قال الأستاذ الإمام: لا ريب أن هذا لم يقع منكم إلا لأنكم شعب غليظ الرقبة (بذا وصفوا في التوراة التي في أيديهم) وأنكم قساة غلف القلوب لا تفقهون الحق، ولا تذعنون له. وهذا مبني على ما قلناه من اعتبار الأمة باتفاق أخلاقها، وصفاتها، وعاداتها العامة كالشخص الواحد، وكان هذا المعنى معروفا عند العرب، فإنهم يلصقون جريمة الشخص بقبيلته ويؤاخذونها به ولو بعد موته، ويدلنا هذا على أن الجنايات، والجرائم مرتبطة في حكم الله - تعالى - بمناشئها، ومنابعها فمن لم يرتكب الجريمة لأن آلاتها، وأسبابها غير حاضرة لديه لا يكون بريئا من الجريمة إذا كان منشؤها والباعث عليها مستقرا في نفسه، وهذا المنشأ هو التهاون بأمر الشريعة، وعدم المبالاة بأمر الحق، والتحري فيه.
فإن كذبوك بعد أن جئتهم بالبينات الناصعة، والزبر الصادعة، والكتاب الذي ينير السبيل، ويقيم الدليل. فلا تأس عليهم، ولا تحزن لكفرهم، ولا تعجب من فساد أمرهم، فإن هذه سنة الله في العباد، وشنشنة من سبق من هؤلاء من آباء وأجداد فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير فأقاموا على أقوامهم الحجة ببيناتهم، وهزموا قلوبهم بزبر عظاتهم، وأناروا بالكتاب سبيل نجاتهم فما أغنى ذلك عنهم من شيء لما انصرفت قلوبهم عن طلب الحق، وتحري سبيل الخير. فالآية تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - وبيان لطباع الناس، واستعدادهم.
والزبر: جمع زبور بمعنى مزبور، من زبرت الكتاب إذا كتبته مطلقا، أو كتابة عظيمة غليظة. قاله الراغب، أو متقنة كما في لسان العرب، فهو بمعنى الكتب والصحف، يقال: زبرت الكتاب بمعنى كتبته. وبمعنى قرأته، أو بمعنى الزاجرة، قال في اللسان: وزبره يزبره بالضم نهاه ونهره، وفي الحديث:
" إذا رددت على السائل ثلاثا فلا عليك أن تزبره" " أي تنهره، وتغلظ له في القول، والرد. والزبر بالفتح: الزجر، والمنع اهـ. وأصل معنى الزبر القطع، ومنه زبر الحديد قطعه، ويوشك أن تكون الزبر هنا المواعظ، والكتاب المنير جنسه أي الكتب الأربعة، أو الزبر صحف الأنبياء والكتاب المنير الإنجيل.