خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
١٣
وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ
١٤
-النساء

تفسير المنار

قال الأستاذ الإمام: الإشارة في قوله - تعالى -: { تلك حدود الله } تتناول الأحكام التي ذكرت من أول هذه السورة إلى ما قبل هذه الآية، أي أنه - تعالى - جعل تلك الأحكام حدودا لأعمال المكلفين ينتهون منها إليها، ولا يجوز لهم أن يتجاوزوها، ويتعدوها. وهكذا جميع أحكامه في المأمورات، والمنهيات، وكذا المباحات، فإن لها حدودا إذا تجاوزها المكلف وقع في المحظور فقد قال - عز وجل -: { { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين } [الأعراف: 31] أقول: فمدار الطاعة على البقاء في دائرة هذه الحدود وهي الشريعة، ومدار العصيان على اعتدائها؛ ولذلك وصل هذه الجملة المبينة كون تلك الأحكام حدودا بذكر الجزاء على الطاعة، والعصيان مطلقا، فقال: { ومن يطع الله ورسوله } إلخ. طاعة الله - تعالى - هي اتباع ما شرعه من الدين على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وطاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - هي اتباع ما جاء به من الدين عن ربه - عز وجل -، فطاعته - صلى الله عليه وسلم - هي عين طاعة الله - عز وجل - كما قال - تعالى - في هذه السورة: { { من يطع الرسول فقد أطاع الله } [النساء: 80] وسيأتي ذكر الآية مع تفسيرها، فما هي النكتة إذا في ذكر طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع ذكر طاعة الله - تعالى -؟ قد يقال: إن طاعة الله - تعالى - وطاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما تتحدان فتكون الثانية عين الأولى فيما يسنده الرسول إلى ربه، ويبين أنه بوحي منه. وقد يأمر الرسول بأشياء، وينهى عن أشياء باجتهاده، فإذا جزم بذلك، ولم يقم دليل على أن الأمر للإرشاد، أو الاستحباب، والنهي للكراهة، أو الاستهجان وجبت طاعته في ذلك سواء كان في العبادات، أو الأمور السياسية، والقضائية؛ لأنه إمام الأمة، وحاكمها. وقد أجمع المسلمون على أن الله - تعالى - لا يقر رسله على خطإ في اجتهادهم، بل يبين لهم ذلك مع ذكر العفو عن عدم العفو عن عدم إعطاء الاجتهاد حقه الموصل إلى ما هو الصواب المرضي عنده - عز وجل -، كقوله لنبينا - صلى الله عليه وسلم - عندما أذن لبعض من استأذنه من المنافقين في التخلف عن غزوة تبوك: { { عفا الله عنك لم أذنت لهم } [التوبة: 43] إلى آخر الآية، أو مع العتاب كما عاتبه على اجتهاده الموافق لاجتهاد أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) في قبول الفداء من أسرى بدر بقوله: { ما كان لنبي أن يكون له أسرى } [الأنفال: 67] من سورة الأنفال. وكما عاتبه في الإعراض عن الأعمى المسترشد في أول سورة: { { عبس وتولى } [عبس: 1] إلخ، ولا يدخل في هذا المقام ما يقوله - صلى الله عليه وسلم - في الأمور الدنيوية المحضة كالعادات، والزراعة، ونحوها؛ لأنه ليس دينا، ولا قضاء، ولا سياسة؛ ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - في مسألة تأبير النخل: أنتم أعلم بأمر دنياكم كما في الصحيح.
الأستاذ الإمام: طاعة الرسول هي طاعة الله بعينها؛ لأنه إنما يأمرنا بما يوحيه إليه الله من مصالحنا التي فيها سعادتنا في الدنيا والآخرة، وإنما يذكر طاعة الرسول مع طاعة الله لأن من الناس من كانوا يعتقدون قبل اليهودية، وبعدها، وكذلك بعد الإسلام إلى اليوم: أن الإنسان يمكن أن يستغني بعقله، وعلمه عن الوحي، يقول أحدهم: إنني أعتقد أن للعالم صانعا عليما حكيما، وأعمل بعد ذلك بما يصل إليه عقلي من الخير واجتناب الشر. وهذا خطأ من الإنسان، ولو صح ذلك لما كان في حاجة إلى الرسل، وقد تقدم في تفسير سورة الفاتحة أن الإنسان محتاج بطبيعته النوعية إلى هداية الدين، وأنها هي الهداية الرابعة التي وهبها الله للإنسان بعد هداية الحواس والوجدان والعقل. فلم يكن العقل في عصر من عصوره كافيا لهداية أمة من أممه، ومرقيا له بدون معونة الدين.
أقول: يرد على هذا من جانب المرتابين والملاحدة: أننا نرى كثيرا من أفراد الناس لا يدينون بدين وهم في درجة عالية من الأفكار، والآداب، وحسن الأعمال التي تنفعهم، وتنفع الناس، حتى إن العاقل المجرد عن التعصب الديني يتمنى لو كان الناس كلهم مثله بل يسعى كثير من الفلاسفة لجعل الأمم مثل هؤلاء الأفراد في آدابهم، وارتقائهم.
وأجيب عن هذا (أولا) بأن الكلام في هداية الجماعات من البشر، والقبائل، والأمم الذين يتحقق بارتقائهم معنى الإنسانية في الحياة الاجتماعية سواء كانت بدوية، أو مدنية، وقد علمنا التاريخ أنه لم تقم مدنية في الأرض من المدنيات التي وعاها وعرفها إلا على أساس الدين حتى مدنيات الأمم الوثنية كقدماء المصريين، والكلدانيين، واليونانيين، وعلمنا القرآن أنه ما من أمة إلا وقد خلا فيها نذير مرسل من الله - عز وجل - لهدايتها، فنحن بهذا نرى أن تلك الديانات الوثنية كان لها أصل إلهي، ثم سرت الوثنية إلى أهلها حتى غلبت على أصلها، كما سرت إلى من بعدهم من أهل الديانات التي بقي أصلها كله أو بعضه على سبيل القطع، أو على سبيل الظن. وليس للبشر ديانة يحفظ التاريخ أصلها حفظا تاما إلا الديانة الإسلامية، وهو مع ذلك قد دون في أسفاره كيفية سريان الوثنية الجلية أو الخفية إلى كثير من المنتسبين إليها كالنصيرية، وسائر الباطنية، وغيرهم ممن غلب عليهم التأويل أو الجهل، حتى إنه يوجد في هذا العصر من المنتمين إلى الإسلام من لا يعرفون من أحكامه الظاهرة غير قليل مما يخالفون به جيرانهم كجواز أكل لحم البقر في الأطراف الشاسعة من الهند، وكيفية الزواج، ودفن الموتى في بعض بلاد روسيا وغيرها!! فمن علم هذا لا يستبعد تحول الديانات الإلهية القديمة إلى الوثنية.
فاتباع الرسل وهداية الدين أساس كل مدنية؛ لأن الارتقاء المعنوي هو الذي يبعث على الارتقاء المادي، وها نحن أولاء نقرأ في كلام شيخ الفلاسفة الاجتماعيين في هذا العصر (هربرت سبنسر) أن آداب الأمم وفضائلها التي هي قوام مدنيتها مستندة كلها إلى الدين وقائمة على أساسه، وأن بعض العلماء يحاولون تحويلها عن أساس الدين، وبناءها على أساس العلم، والعقل، وأن الأمم التي يجري فيها هذا التحويل لا بد أن تقع في طور التحويل في فوضى أدبية لا تعرف عاقبتها، ولا يحدد ضررها. هذا معنى كلامه في بعض كتبه. وقد قال هو للأستاذ الإمام في حديث له معه: إن الفضيلة قد اعتلت في الأمة الإنكليزية وضعفت في هذه السنين الأخيرة من حيث قوي فيها الطمع المادي. ونحن نعلم أن الأمة الإنكليزية من أشد أمم أوربا تمسكا بالدين مع كون مدنيتها أثبت، وتقدمها أعم؛ لأن الدين قوام المدنية بما فيه من روح الفضائل، والآداب، على أن المدنية الأوربية بعيدة عن روح الديانة المسيحية وهو الزهد في المال والسلطان وزينة الدنيا، فلولا غلبة بعض آداب الإنجيل على تلك الأمم لأسرفوا في مدنيتهم المادية إسرافا غير مقترن بشيء من البر وعمل الخير، وإذا لبادت مدنيتهم سريعا. ومن يقل إنه سيكون أبعدها عن الدين أقربها إلى السقوط، والهلاك لا يكون مفتاتا في الحكم ولا بعيدا عن قواعد علم الاجتماع فيه.
فحاصل هذا الجواب الأول عن ذلك الإيراد: أن وجود أفراد من الفضلاء غير المتدينين لا ينقض ما قاله الأستاذ الإمام من كون الدين هو الهداية الرابعة لنوع الإنسان التي تسوقه إلى كماله المدني في الدنيا كما تسوقه إلى سعادة الآخرة.
وثانيا: إنه لا يمكن الجزم بأن فلانا الملحد الذي يراه عالي الأفكار والآداب قد نشأ على الإلحاد وتربى عليه من صغره حتى يقال: إنه قد استغنى في ذلك عن الدين، لأننا لا نعرف أمة من الأمم تربي أولادها على الإلحاد، وإننا نعرف بعض هؤلاء الملحدين الذين يعدون في مقدمة المرتقين بين قومهم، ونعلم أنهم كانوا في نشأتهم الأولى من أشد الناس تدينا، واتباعا لآداب دينهم، وفضائله، ثم طرأ عليهم الإلحاد في الكبر بعد الخوض في الفلسفة التي تناقض بعض أصول ذلك الدين الذي نشئوا عليه، والفلسفة قد تغير بعض عقائد الإنسان، وآرائه، ولكن لا يوجد فيها ما يقبح له الفضائل والآداب الدينية، أو يذهب بملكاته، وأخلاقه الراسخة كلها، وإنما يسطو الإلحاد على بعض آداب الدين كالقناعة بالمال الحلال فيزين لصاحبه أن يستكثر من المال، ولو من الحرام كأكل حقوق الناس، والقمار بشرط أن يتقي ما يجعله حقيرا بين من يعيش معهم أو يلقيه في السجن، وكالعفة في الشهوات فيبيح له من الفواحش ما لا يخل بالشرط المذكور آنفا. هذا إذا كان راقيا في أفكاره، وآدابه، وأما غير الراقين منهم فهم الذين لا يصدهم عن الفساد في الأرض وإهلاك الحرث، والنسل إلا القوة القاهرة، ولولا أن دول أوربا قد نظمت فرق المحافظين على الحقوق من الشحنة والشرطة (البوليس والضابطة) أتم تنظيم وجعلت الجيوش المنظمة عونا لهم عند الحاجة لما حفظ لأحد عندها عرض ولا مال، ولعمت بلادها الفوضى والاختلال، ولقد كانت الحقوق والأعراض محفوظة في الأمم من غير وجود هذه القوى المنظمة أيام كان الدين مرعيا في الآداب، والأحكام، فتبين بهذا أن طاعة الله ورسله لا بد منها لسعادة الدنيا، على أن السياق هنا قد جاء لما يتعلق بالسعادة الدائمة في الحياة الأخرى؛ ولذلك كان جزاء الشرط في الطاعة هو قوله - تعالى -:
{ يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار } وقد تقدم تفسير مثل هذه الجملة، وإننا نؤمن بتلك الجنات والحدائق، وأنها أرقى مما نرى في هذه الدنيا، وأنه ليس لنا أن نبحث عن كيفيتها لأنها من عالم الغيب، وقد أفرد الضمير في قوله: { يدخله } مراعاة للفظ { ومن يطع } إلخ، وجمع الوصف الذي هو حال منه في قوله: { خالدين فيها } مراعاة لمعناها، فإن من من الألفاظ المفردة التي تدل على العموم - كما هو معلوم - وتقدم تفسير الخلود من قبل، وسيأتي في آيات كثيرة أيضا { وذلك الفوز العظيم } لأنه الصافي الدائم الذي لا يذكر بجانبه الفوز بحظوظ الدنيا القصيرة المنغصة بالشوائب والأكدار.
{ ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها } وقد جيء بالحال هنا مفردا كالضمير المنصوب في قوله: يدخله فقال: خالدا مراعاة للفظ من وقد اختار الأستاذ في نكتة ذلك أن في ذكر أهل الجنة بلفظ الجمع إشارة إلى تمتعهم بالاجتماع، وأنس بعضهم ببعض، والمنعم يسره أن يكون مع غيره، قال المعري الحكيم:

ولو أني حبيت الخلد وحدي لما أحببت بالخلد انفرادا

وأما من قذفه عصيانه لله ولرسوله في النار فإن له من العذاب ما يمنعه عن الأنس بغيره، فهو وحيد لا يجد لذة في الاجتماع بغيره ولا أنسا، فلما كان لا يتمتع بمنفعة من منافع الاجتماع كان كأنه وحيد، والتعبير بلفظ خالدا يشير إلى ذلك، ويؤيد هذا المعنى الذي اختاره شيخنا قوله - تعالى -: { ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون } [الزخرف: 39].
وظاهر الآية أن العاصي المتعدي للحدود يكون خالدا في النار، وفي المسألة الخلاف المشهور بين الأشعرية، وغيرهم من أهل السنة، وبين المعتزلة، ومن على رأيهم، فهؤلاء يقولون: إن مرتكب المعصية القطعية الكبيرة يخلد في النار، وأولئك يقولون: إنه لا يخلد في النار إلا من مات كافرا، وأما من مات عاصيا فأمره إلى الله، وهو بين أمرين، إما أن يعفو الله عنه ويغفر له، وإما أن يعذبه على قدر ذنبه، ثم يدخله الجنة لقوله - تعالى -:
{ { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } [النساء: 116] وستأتي الآية في تفسير هذه السورة. وكل فريق من المختلفين يجعل الآية التي تدل على مذهبه أصلا يرجع إليه سائر الآيات ولو بإخراجها عن ظاهرها الذي يعبرون عنه بالتأويل.
قال الأستاذ الإمام: ذهب بعض المختلفين إلى أن تعدي حدود الله - تعالى - هنا يراد به جميع الحدود لا جنسها، ومن تعدى حدود الله كلها ولم يقف عند شيء منها فهو كافر خالد في النار. وقال بعضهم: إن التعدي يصدق بالبعض وهو يكون من الكفر وجحود الحكم بعدم الإذعان له، والجحود: إما صريح، وإما غير صريح، ولكنه حقيقي، وإن لم يصرح به صاحبه، فإن أخذ شيء من حق إنسان، وإعطاءه لآخر لا يكون إلا من إنكار حكم الله في تحريم ذلك، أو الشك فيه، وإن الحاكم إذا ثبتت عنده السرقة فحبس السارق ولم يقطع يده كان منكرا للحد الذي أوجب الله معاقبة السارق به، أو مستقبحا له، وكلاهما من الكفر، وإن لم يصرح به صاحبه.
ثم قال ما مثاله: وإذا تأملتم في هذا الخلاف بين أهل السنة، والمعتزلة تجدونه لفظيا، فإن الكلام في المصر على الذنب مع العلم بأنه ذنب؛ لأنه - تعالى - قال في الناجين المسارعين إلى الجنة:
{ { ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون } [آل عمران: 135] - [راجع ص112 وما بعدها ج 4 ط الهيئة المصرية العامة للكتاب من التفسير] - فإن من يعمل الذنب، ولا يخطر في باله عند ارتكابه أنه منهي عنه لا يعد مصرا عالما، وقد بينا من قبل أن للمذنب حالتين، وإننا نعيد ذلك ولا نزال نلح في تقريره إلى أن نموت.
الحالة الأولى: غلبة الباعث النفسي من الشهوة، أو الغضب على الإنسان حتى يغيب عن ذهنه الأمر الإلهي فيقع في الذنب، وقلبه غائب عن الوعيد غير متذكر للنهي، وإذا تذكره يكون ضعيفا كنور ضئيل يلوح في ظلمة ذلك الباعث المتغلب، ثم لا يلبث أن يزول أو يختفي، فإذا سكنت شهوته أو سكت عنه غضبه وتذكر النهي والوعيد ندم وتاب، ووقع من نفسه في أشد اللوم والعتاب، وذلك ضرب من ضروب العقاب، وصاحبه جدير بالنجاة في يوم المآب.
الحالة الثانية: أن يقدم المرء على الذنب جريئا عليه متعمدا ارتكابه عالما بتحريمه مؤثرا له على الطاعة بتركه لا يصرفه عنه تذكر النهي والوعيد عليه، فهذا هو الذي قد أحاطت به خطيئته حتى آثر طاعة شهوته على طاعة الله ورسوله، فصدق عليه قوله - تعالى -:
{ { بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار ه
م فيها خالدون }
[البقرة: 81] فراجع تفسير هذه الآية في الجزء الأول من التفسير. ربما يقول قائل: إننا نرى كثيرا من أفراد هذا الصنف مع تلبسهم بهذه الحالة يطمعون في عفو الله ومغفرته، وذلك دليل الإيمان المنجي. والجواب عن هذا: أن من يصر على معصيته - تعالى - عامدا عالما بنهيه، ووعيده لا يكون مؤمنا بصدق خبره، ولا مذعنا لشرعه الذي تنال رحمته ورضاه بالتزامه، وعذابه وبأسه باعتداء حدوده، فيكون إذا مستهزئا به، فالإصرار على العصيان مع عدم استشعار الخوف، والندم لا يجتمع مع الإيمان الصحيح بعظمة الله وصدقه في وعده ووعيده. وبهذا الذي قررته يكون الخلاف لفظيا لا حقيقيا.
أقول: هذا بسط ما قرره في تفسير هذه الآية على الطريقة المشهورة، وإذا تذكر القارئ طريقتنا في مثل هذه المسألة التي أجازها الأستاذ الإمام - إذ بسطناها في التفسير وفي باب الفتاوى من المنار - فإنه يزداد علما وبينة في هذا المقام. وأعني بهذه الطريقة تأثير الذنوب والخطايا في النفس إلى ألا يبقى للإيمان سلطان عليها، وسنعيد القول فيه قريبا في تفسير: إنما التوبة على الله إلخ.
{ وله عذاب مهين } قال الأستاذ الإمام: أراد الله - تعالى - بالعذاب المهين عذاب الروح بالإهانة، يعنيرحمه الله أن بدن هذا العاصي يعذب في النار من حيث هو حيوان يتألم، وروحه تتألم بالإهانة من حيث هو إنسان يشعر بمعنى الكرامة والشرف، فنسأل الله - تعالى - النجاة من العذاب المهين، والفوز بالنعيم المقيم.