خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَٱجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ
٨٧
وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ
٨٨
قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَٱسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ
٨٩
-يونس

بحر العلوم

قال الله تعالى: { وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ } هارون وذلك لما منعهم فرعون وقومه الصلاة علانية وخربوا مساجدهم { أَن تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا } يعني اتخذوا لقومكما بمصر مساجد في جوف البيوت. { وَٱجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً } يعني مساجد، فتصلون (فيها) ويقال حولوا بيوتكم نحو القبلة. وقال مجاهد كانوا يصلون في البيع فأمرهم بأن يصلوا في البيوت، وقال إبراهيم النخعي: كانوا خائفين فأمرهم بالصلاة في بيوتهم. وكان إبراهيم النخعي خائفاً من الحجاج وكان يصلي في بيته. ثم قال { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } يعني: أتموها بركوعها وسجودها. ولم يأمرهم بالزكاة لأن فرعون (عليه اللعنة) قد استعبدهم وأخذ أموالهم فلم يكن لهم مال يجب عليهم الزكاة فيه، ثم قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - { وَبَشّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } يعني المصدقين بتوحيد الله تعالى بالجنة. قرأ عاصم في رواية حفص "أَنْ تَبَوَيَا" بالياء بلا همز. لأنه كره الهمزة بين حرفين فجعلها ياء. وقرأ الباقون بغير ياء بالهمزة. إلا أنه روي عن حمزة أنه كان لا يهمز. قوله تعالى { وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ ءاتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ } وذلك أن أهل مصر لما عذبوا بالطوفان والجراد والسنين قالوا { { لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا ٱلرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ } [الأعراف: 134]، ثم نكثوا العهد ولم يؤمنوا فغضب موسى عليهم ودعا الله تعالى عليهم وقال { رَبَّنَا إِنَّكَ ءاتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ } يعني الأشراف من قومه { زِينَةً وَأَمْوَالاً فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ } يعني أعطيتهم ليضلوا { عَن سَبِيلِكَ } عن دينك الإسلام. قرأ أهل الكوفة وعاصم وحمزة الكسائي "لِيُضِلُّوا" بضم الياء يعني ليضلوا الناس ويصرفونهم عن دينك. وقرأ الباقون "لِيضِلُّوا" بنصب الياء يعني يرجعون عن دينك ويمتنعون جملة (واحدة) عنه { رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوٰلِهِمْ } يعني: غير دراهمهم ودنانيرهم. وذلك حين وعد فرعون بأن يؤمن ويرسل معه بني إسرائيل. ثم نقض العهد فدعا عليهم موسى عليه السلام. وروى معمر عن قتادة: في قوله { رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوٰلِهِمْ } قال بلغنا أن حروثاً لهم صارت حجارة. وعن السدي أنه قال: صارت دراهمهم ودنانيرهم حجارة وعن أبي العالية (الرياحي) أنه قال: صارت أموالهم حجارة. وقال مجاهد في قوله تعالى: { رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوٰلِهِمْ } يعني أهلكها وقال القتبي في قوله { رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوٰلِهِمْ } أي اقسها. ويقال اطبع قلوبهم وأمتهم على الكفر فلا توفقهم للإيمان لكي لا يؤمنوا { فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلألِيمَ } وهو الغرق. ودعا موسى عليه السلام (وأَمَّن هارون) عليه السلام { قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا } قال محمد بن كعب (القرظي) دعا موسى وأمن هارون. وعن أبي العالية وعكرمة وأبي صالح مثله. وعن أبي هريرة مثله وعن أنس بن مالك أنه قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إن الله تعالى أعطاني خصالاً ثلاثاً: أعطاني صلاة بالصفوف وأعطاني تحية (هي) تحية أهل الجنة. وأعطاني التأمين ولم يعط أحداً من النبيين قبلي إلا أن يكون الله تعالى أعطاه لهارون، يدعو موسى ويؤمن هارون" قال مقاتل: فمكث موسى بعد هذه الدعوة أربعين سنة. وهكذا روى الضحاك أن الاجابة ظهرت بعد اربعين سنة وقال بعضهم بعد أربعين يوماً وقال بعضهم، هذا الدعاء حين خرج موسى ببني إسرائيل وأيس من إيمانهم. ثم قال تعالى { فَٱسْتَقِيمَا } أي: على الرسالة والدعوة { وَلاَ تَتَّبِعَانّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } يعني طريق فرعون وآله من أهل مصر. وروى ابن ذكوان عن ابن عامر أنه قرأ: "تَتْبَعَانِّ" بجزم التاء ونصب الباء. وقرأ الباقون تَتَّبِعَانِّ (بنصب التاء) والتشديد وكسر الباء ومعناهما واحد. وهذه النون (أدخلت) مؤكدة.