خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَاكِمِينَ
٤٥
قَالَ يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّيۤ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ
٤٦
قَالَ رَبِّ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِيۤ أَكُن مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ
٤٧
قِيلَ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ
٤٨
-هود

بحر العلوم

قوله تعالى: { وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبّ إِنَّ ٱبْنِى مِنْ أَهْلِى } فإنك قد وعدتني أن تنجيهم من العذاب { وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ } يعني أنت الصادق في وعدك { وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَـٰكِمِينَ } يعني أعدل العادلين { قَالَ يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } الذي وعدتك أن أنجيهم. وروي عن الحسن أنه قال: إنه تخلف لأنه لم يكن ابن نوح. وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: كنت عند الحسن. قال: ونادى نوح ابنه، فقال لعمر الله ما هو ابنه. قلت يا أبا سعيد يقول الله تعالى { وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبْنَهُ } وأنت تقول هو ليس بابنه، قال أفرأيت قوله: { إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ }. قلت إنه ليس من أهلك الذي وعدتك أن أنجيهم. (ولا يختلف) أهل الكتاب أنه ابنه. قال إن أهل الكتاب يكذبون. وروي عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة أنه ابنه غير أنه خالفه في العمل. وقال بعض الحكماء إن الابن إذا لم يفعل ما يفعل الأب انقطع عنه، والأمة إذا لم يفعلوا ما فعل نبيهم أخاف أن ينقطعوا عنه. ثم قال { إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَـٰلِحٍ } قرأ الكسائي. إنه عَمِلَ غَيْرَ صَالح بكسر الميم ونصب الراء. وروت أم سلمة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقرأ هكذا ومعناه إن ابنك عمل عمل المشركين ولم يعمل عمل المؤمنين. وقرأ الباقون "عَمَلٌ غَيْرُ" بالتنوين والضم وضم الراء. ومعناه إن سؤالك ودعاءك لابنك الكافر عمل غير صالح { فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } يعني بياناً. وقرأ أهل الكوفة فلا تسألن بتخفيف النون بغير ياء لأن الكسر يقوم مقام الياء. وروي عن أبي عبيدة أنه قال: رأيت في مصحف عثمان هكذا. وقرأ أبو عمرو "فَلاَ تَسْأَلْنِي" بإثبات الياء بغير تشديد وهو الأصل في اللغة. وقرأ ابن كثير "فَلاَ تَسْأَلَنَّ" بنصب النون والتشديد بغير ياء ويكون معناه التأكيد في النهي. وقرأ ابن عامر ونافع في رواية قالون "فلا تسألنِّ" بالكسر بغير ياء مع التشديد. وقرأ نافع في رواية ورش "فلا تسألنيِّ" بالياء مع التشديد ثم قال { إِنّى أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَـٰهِلِينَ } أي: أنهاك أن تكون من الجاهلين يعني من يترك أمري. ويقال من المكذبين يقدر الله تعالى { قَالَ } نوح عليه السلام { رَبّ إِنّى أَعُوذُ بِكَ } يعني اعتصم وامتنع بك { أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِى بِهِ عِلْمٌ } يعني احفظني بعد اليوم لكيلا أسألك ما ليس به علم { وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِى وَتَرْحَمْنِى } يعني إن لم تغفر لي ولم ترحمني { أَكُن مّنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } قوله تعالى: { قِيلَ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلَـٰمٍ مّنَّا } يعني: انزل من السفينة مسلماً من عذابنا وغرقنا. ويقال بسلام عليك كما قال { { سَلَـٰمٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِى ٱلْعَـٰلَمِينَ } [الصافات: 79]، { وَبَركَـٰتٍ } يعني وسعادات { عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مّمَّن مَّعَكَ } يعني: الذين كانوا في السفينة معه { وَأُمَمٌ سَنُمَتّعُهُمْ } يعني من كان من أهل الشقاء سنمتعهم في الدنيا { ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } يصيبهم في الآخرة. وقَال مقاتل: اهبط من السفينة بسلام منا. فسلمه الله ومن معه من الغرق وبركات عليك وعلى أُمم ممن معك. يعنى بالبركة إنهم توالدوا وكثروا وأمم سنمتعهم، وهم قوم هود وشعيب ولوط. وقال محمد بن كعب القرظي في قوله: { ٱهْبِطْ بِسَلَـٰمٍ مّنَّا وَبَركَـٰتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } قال: دخل في السلام والبركة كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة. ودخل في المتاع والعذاب كل كافر وكافرة إلى يوم القيامة. ويقال إنهم لما خرجوا من السفينة بنوا مدينة وسموها مدينة ثمانين. ويقال ماتوا كلهم ولم يكن منهم نسل إلا من أولاد نوح وكان له ثلاثة بنين سام وحام ويافث سوى الذي غرق. كما قال في موضع آخر { وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ ٱلْبَـٰقِينَ } [الصافات: 77].