خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

خَلَقَ ٱلإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ
٤
وَٱلأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ
٥
وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ
٦
وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ
٧
وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
٨
وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ
٩
-النحل

بحر العلوم

ثم قال: { خَلَقَ ٱلإِنْسَـٰنَ مِن نُّطْفَةٍ } يقول: من ماء الرجل { فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } يقول: جدل بالباطل ظاهر الخصومة. وهو أبي بن خلف حيث أخذ عظماً بالياً ففته بيده وقال: عجباً لمحمد يزعم أنه يعيدنا بعد ما كنا عظاماً ورفاتاً وإنا نعاد خلقاً جديداً. فنزل { أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَـٰنُ أَنَّا خَلَقْنَـٰهُ مِن نُّطْفَةٍ } [يس: 77] الآية ثم بين النعمة فقال تعالى: { وَالأنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ } الدفء ما يستدفأ به من الأكسية وغيرها والذي يتخذ منه البيوت من الشعر والوبر والصوف، وأما المنافع فظهورها التي تحمل عليها وألبانها. ويقال: الدفء الصغار من الإِبل. وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال: { لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ }. أي في نسل كل دابة. ثم قال: { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } أي: من لحومها. قوله: { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ } أي: ولكم يا بني آدم في الأنعام جمال حسن المنظر { حِينَ تُرِيحُونَ } أي: حتى تروح الإبل راجعة إلى أهلها { وَحِينَ تَسْرَحُونَ } أي: تسرح إلى الرعي أول النهار { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ } أي: أمتعتكم وزادكم { إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَـٰلِغِيهِ إِلاَّ بِشِقّ ٱلأَنفُسِ } إلا بجهد الأبدان. وروى سماك عن عكرمة قال بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس) قال: هي مكة. ويقال: هذا الخطاب لأَهل مكة كانوا يخرجون إلى الشام وإلى اليمن ويحملون أثقالهم على الإِبل ثم قال: { إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } إذ لم يعجلكم بالعقوبة ثم قال: { وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } أي: جمالاً ومنظراً وحسناً. وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه سئل عن لحوم الخيل. فكرهه وتلا هذه الآية. { وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً }. يعني إنما خلق هذه الأصناف الثلاثة للركوب والزينة لا للأكل. وسائر الأنعام خلقت للركوب والأكل كما قال { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } وبه كان يقول أبو حنيفة إن لحم الخيل مكروه. ثم قال: { وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } أي: خلق أشياء تعلمون وخلق أشياء مما لا تعلمون. وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله خلق أرضاً بيضاء مثل الدنيا ثلاثين مرة محشوة خلقاً من خلق الله تعالى لا يعلمون أن الله تعالى يعصى طرفة عين . قالوا يا رسول الله أمن ولد آدم هم؟ قال ما يعلمون أن الله خلق آدم. قالوا فأين إبليس منهم؟ قال ما يعلمون أن الله خلق إبليس ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويخلق ما لا تعلمون" قوله: { وَعَلَى ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ } أي: بيان الهدى، ويقال هداية الطريق { وَمِنْهَا جَائِرٌ } أي: من الطرق ما هو مائل عن طريق الهدى إلى طريق اليهودية والنصرانية. وروى جويبر عن الضحاك أنه قال: { وَعَلَى ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ } يعني: بيان الهدى { وَمِنْهَا جَائِرٌ } أي سبيل الضلالة وقال قتادة في قراءة عبد الله بن مسعود ومنها جائر أي مائل عن طريق الهدى { وَلَوْ شَآء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } أي: لو علم الله تعالى أن الخلق كلهم أهلاً للتوحيد (لهداهم). ويقال: لو شاء الله لأنزل آية يضطر الخلق إلى الإيمان (بها).