خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
٩٠
-النحل

بحر العلوم

قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ } أي: بتوحيد الله وشهادة أن لا إله إلا الله، والإحسان إلى الناس والعفو عن الناس، ويقال: الإحسان القيام بالفرائض { وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ } أي: صلة الرحم { وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ } أي: عن الزنا ويقال: جميع المعاصي { وَٱلْمُنْكَرِ } يعني: ما لا يعرف في شريعة ولا في سنة، ويقال: المنكر ما وعد الله عليه النار { وَٱلْبَغْىَ } يعني: الاستطالة والكبرة فقد أمر بثلاثة أشياء ونهى عن ثلاثة أشياء وجمع في هذه الأشياء الستة علم الأولين والآخرين وجميع الخصال المحمودة، "وروي عن عثمان بن مظعون أنه قال: ما أسلمت يوم أسلمت إلا حياءً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك أنه كان يدعوني فيعرض عليَّ الإِسلام فاستحييت منه فأسلمت ولم يقر الإِسلام في قلبي، فمررت به ذات يوم وهو بفناء بابه جالساً محتبياً فدعاني فجلست إليه فبينما هو يحدثني إذ رأيت بصره شخص إلى السماء حتى رأيت طرفه قد انقطع. ثم رأيته خفضه عن يمينه ثم ولاَّني وركه ينفض رأسه كأنه يستفهم شيئاً يقال له. ثم دعا فرفع رأسه إلى السماء ثم خفضه حتى وضعه عن يساره ثم أقبل عليَّ محمراً وجهه يفيض عرقاً. فقلت يا رسول الله ما رأيتك صنعت هذا في طول ما كنت أجالسك. فقال: ولقد رأيت ذلك؟ قلت: نعم قال: بينما أحدثك إذ رفعت بصري إلى السماء فرأيت جبريل ينزل عليّ فلم تكن لي همة غيره حتى نزل عن يميني فقال يا محمد { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ } إلى آخر الآية" . قال عثمان: فوقر الإيمان في قلبي فآمنت وصدقته. قال: فأتيت أبا طالب فأخبرته بما نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا معشر قريش اتبعوا ابن أخي ترشدوا وتفلحوا، ولئن كان محمد صادقاً أو كاذباً ما يأمركم إلاَّ بمكارم الأخلاق. فلما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - من عمه اللين قال: "يا عماه أتأمر الناس أن يتبعوني وتدع نفسك؟" وجهد عليه فأبى أن يسلم فنزل { { إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ } [القصص: 56] إلى آخر الآية.
قال الفقيه أبو الليث: حدثنا أبو منصور عبد الله الفرائضي بسمرقند بإسناده عن عكرمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ على الوليد بن المغيرة { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ } إلى آخر الآية فقال له: يا ابن أخي أعد عليَّ فأعاد عليه فقال: والله يا ابن أخي إنّ له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وما هذا بقول البشر. وقال قتادة: في قول الله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ } الآية قال: ليس من خلق حسن كان أهل الجاهلية يستحسنونه بينهم إلا أمر الله به وليس من خلق سيِّــــىءٍ يتعايرونه بينهم إلاَّ نهى الله عنه. ثم قال تعالى: { يَعِظُكُمْ } أي: يأمركم وينهاكم عن هذه الأَشياء التي ذكرها الله في الآية { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } أي: تتعظون.