خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً
١١
ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُواْ أَمَداً
١٢
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِٱلْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى
١٣
-الكهف

بحر العلوم

{ فَضَرَبْنَا عَلَىٰ ءاذَانِهِمْ } أي: أنمناهم وألقينا عليهم النوم وقال الزجاج: "فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ" أي: منعناهم أن يسمعوا لأن النائم إذا سمع انتبه { فِى ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا } ويراد بذكر العدد: التأكيد لأن الكثير يحتاج أن يعد وإنما صار نصباً لأنه مصدر قال ابن عباس في حديث أصحاب الكهف أنه قال إن مدينة كانت بالروم ظهر عليها ملك من الملوك يقال له: دقيانوس غلب على مدينتهم وأرضهم وكانت المدينة تسمى أفسوس فجعل يدعوهم إلى عبادة الأوثان ويقتلهم على ذلك فمن كفر بالله واتبع دينه تركه فهدى الله شاباً من أهل تلك المدينة إلى دين الإسلام فجعل يدعوهم سراً حتى تابعه على ذلك سبعة أغلمة ففطن لهم الملك فأرسل إليهم وأخذهم ودفعهم إلى آبائهم يحفظونهم حتى يرسل إليهم من يطلبهم من آبائهم فأَرسل إليهم فهربوا فقالت آباؤهم والله لقد خرجوا من عندنا بالأمس فما ندري أَين هم فمروا بغلام راعي ومعه كلب له فدعوه إلى أمرهم فأعجبه ذلك فتابعهم عليه فمضى معهم واتبعه كلبه حتى أَتوا غاراً أَي: كهفاً فدخلوا فيه ثم أرسلوا بعضهم إلى السوق ليشتري لهم طعاماً من السوق فركب الملك والناس معه في طلبهم وهم يسألون عنهم فسمع رسولهم بذلك فعجل أن يشتري لهم كل الذي أرادوا فاشترى بعضه وأتاهم فأخبرهم أن الملك والناس في طلبهم فأكلوا ما أتاهم به ولم يشبعوا ثم ناموا على وجوههم فضرب الله على آذانهم بالنوم سنين عدداً وسار الملك والناس معه حتى انتهوا إلى باب الكهف فوجدوا آثارهم داخلين ولم يجدوا آثارهم خارجين فدخلوا الكهف فأعمى الله عليهم فطلبوهم فلم يجدوا شيئاً فقال الملك: سدوا عليهم باب الكهف حتى يموتوا فيه فيكون قبرهم إن كانوا فيه ثم انصرف الملك والناس معه فعمد رجلان مسلمان يكتمان إيمانهما إلى لوح من رصاص فكتبا فيه أسماء الفتية وأسماء آبائهم ومدينتهم وأنهم خرجوا فراراً من دقيانوس الملك الكافر فمن ظهر عليهم يعلم بأنهم مسلمون وأَلْزَقَاهُ في السد من داخل الكهف وقال في رواية السدي قال في قصة أصحاب الكهف: كان في المدينة فتية ليس منهم أحد يعرف صاحبه فخرج ملكهم فخرجا له وخرج الفتية ومنهم واحد له كلب وليس منهم أحد إلا وهو يقول في نفسه إن رأيت أحداً استضعف دعوته إلى الإيمان بالله فلما رجع الناس تخلف الفتية فاجتمعوا على باب المدينة وقد أغلق الباب دونهم فطلبوا أن يدخلوا فلم يفتح لهم فقال بعضهم: إني أسر إليكم أمراً فإن تابعتموني عليه رشدتم فقص عليهم أمره فقالوا جميعاً نحن على هذا آنذاك قوله عز وجل: { إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ.. } الآية فصاروا إلى الكهف فدخلوه ورقدوا فيه ورقد الكلب بفناء الكهف فضرب الله على آذانهم بالنوم فلما فقدهم أهلوهم انطلقوا إلى الملك فأخبروه فدعا بصخرة فكتب فيها أسماءهم وكتب فيها أنهم هلكوا في زمن كذا ثم ضربها في سور المدينة على الباب وهو الرقيم وفي رواية وهب بن منبه قال: جاء من حواري عيسى بن مريم عليهما السلام إلى مدينة أَصحاب الكهف فأَراد أَن يدخلها فقيل له: إن على بابها صنماً لا يدخلها أحد إِلاَّ سجد له فكره أن يدخلها وأتى حماماً كان قريباً من تلك المدينة فكان يعمل فيه يعني أنه أجر نفسه من صاحب الحمام فرأى صاحب الحمام في حمامه البركة ودر عليه الرزق واجتمع إليه فتية من أهل المدينة فكان يخبرهم بخبر السماء والأرض وخبر الآخرة حتى آمنوا به وصدقوه وكانوا على مثل حاله في حسن الهيأة فكانوا في ذلك حتى جاء ابن الملك بامرأة فدخل بها الحمام فماتا في الحمام جميعاً فأتى الملك فقيل له صاحب الحمام قتل ابنك فالتمسه فلم يقدر عليه فقال من كان (يصحبه) فسموا الفتية فالتمسوهم فخرجوا من المدينة فمروا بصاحب لهم في زرع له وكان على مثل أمرهم فذكروا له أنهم التمسوا فانطلق معهم ومعه الكلب حتى آواهم الليل إلى الكهف فدخلوه وقالوا: نبيت ها هنا الليلة ثم نصبح إن شاء الله فترون رأيكم فضرب على آذانهم فخرج الملك في أصحابه يتبعونهم حتى وجدوا آثارهم وقد دخلوا الكهف فلما أراد رجل منهم أن يدخل الكهف أرب فلم يطق أحد أن يدخل عليهم فقال له قائل: ألست لو كنت قدرت عليهم قتلتهم فسد عليهم باب الكهف ودعهم حتى يموتوا عطشاً وجوعاً ففعل ذلك ثم إن راعياً احتاج أن يبني حظيرة لغنمه فهدم ذلك السد وبنى عليه لغنمه فصار باب الكهف مفتوحاً وكلما غزا تلك المدينة فظهر عليها أظهر علامته إن كان مسلماً أظهر علامة المسلمين وإن كان كافراً أظهر علامة المشركين ثم مات دقيانوس وملك ملك آخر مسلم فأظهر علامة المؤمنين بالمدينة وكان يقال له: ستفاد الملك ثم إن أصحاب الملك استيقظوا بعد ثلاثمائة سنة وتسع سنين فنظر واحد منهم إلى الشمس وقد دانت إلى الغروب ويقال عند زوال الشمس فقال كم لبثتم قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم "فقال كبيرهم لا تختلفوا فإنه لم يختلف قوم إلا هلكوا ثم قال فقال الآخرون فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاماً أي أحلَّ وأظهر لأنهم كانوا يذبحون الخنازير فدفعوا الدراهم إلى رجل يقال له: تمليخا فلما انتهى إلى باب الكهف رأى حجارة مكسرة على بابه فقال: إن هذا شيء ما رأيناه بالأمس فلما خرج أنكر الطريق فدنا إلى باب المدينة فلم يعرفها فلما دخل المدينة لم يعرف أحداً من الناس فأشكل عليه فقال لعل هذه غير تلك المدينة فسأل إنساناً فقال: أي مدينة هذه فقال أقسوس فقال لقد أصابني شر وتغير عقلي فهذه مدينتنا ولا أعرفها ولا أعرف أحداً من أهلها فأخرج الدراهم وجاء إلى الخباز ودفعها إليه فأخذ الخباز الدراهم فأنكرها وقال من أين لك هذه الدراهم لقد وجدت كنزاً لتخبرني وإلا دفعتك إلى الملك وكان ملك يحدث بعد آخر يضرب دراهم على سكته وختمه فمن وجد معه دراهم غير تلك الدراهم علم أنه كنز فلما وجدوا معه تلك الدراهم قالوا هذا كنز فقال هذه الدراهم ما أخرجت من المدينة إلا أمس فظن الخباز أنه يتجانن عليه ليرسله فقال له: لقد علمت أنك تتجانن علي لا أرسلك حتى تعطيني من هذا الكنز وإلا دفعتك إلى الملك اجتمع الناس عليه وذهبوا به إلى الملك فجعل تمليخا يبكي خوفاً من الملك وأن يرفع إلى ملكهم الجبار الذي فرضه الذي أدخل على غيره سكن. فقال له الملك: من أين لك هذه الدراهم فقال خرجت بها عشية أمس أنا وأصحاب لي فراراً من دقيانوس الملك فقال إنك رجل شاب وذلك الملك قد مضى عليه دهر طويل فما أنا بالذي أرسلك حتى تخبرني من أين لك هذه الدراهم فقص عليه أمره وأمر أصحابه فقال أُنَاسٌ من المسلمين قد أخبروا بقصتهم أن آباءنا أخبرونا أن فتية قد خرجوا بدينهم وهم مسلمون فراراً من دقيانوس الملك وإنا والله لا ندري ولعله صادق فأركب وأنظر لعله شيء أراد الله أن يظهرك عليه أو يكون في ولا يفك فركب الملك وركب معه الناس المسلم والكافر حتى انتهوا إلى الكهف فلما رأى أصحابه الناس قد انتهوا إليهم عانق بعضهم بعضاً يبكون ولا يشكون إلا أنه الملك الجبار الكافر فقال لهم تمليخا: امكثوا حتى أدخل أولاً فدخل عليهم فأخبرهم بالقصة قال ابن عباس في رواية أبي صالح: دخل عليهم الملك والناس فسألوهم عن أمرهم فقصوا عليهم قصتهم فنظروا فإذا اللوح الرصاص الذي كتبه المسلمان فيه أسماؤهم وأسماء آبائهم فقال الملك: هم قوم هلكوا في زمن دقيانوس وأحياهم الله في زماني فلم يبق أحد من الكفار مع الملك إلا أسلموا كلهم إذا رأوهم فبينما هم يتحدثون إذ ماتوا كلهم وقال في رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إِن القوم لما انتهوا إلى الكهف قال لهم الفتى: مكانكم حتى أدخل على أصحابي لا تهجموا عليهم فيفزعوا منكم فدخل فعمي عليهم المكان فلم يدروا أين ذهب ولم يقدروا على الدخول عليهم فقالوا: { لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِدًا } فجعلوا عليهم مسجداً وصاروا يصلون فيه فذلك قوله: { فَضَرَبْنَا عَلَىٰ ءاذَانِهِمْ فِى ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا ثُمَّ بَعَثْنَـٰهُمْ } أي: أيقظناهم { لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ } يعني: أي الفريقين المسلم والكافر { أَحْصَىٰ } أي: احفظ { لِمَا لَبِثُواْ أَمَدًا } يعني: لما مكثوا أجلاً وكان المسلمان كتبا في اللوح فظهر لهم مقدار ما لبثوا فيه ولم يعلم الكفار مقدار ذلك ويقال: أي الحزبين يعني الذين كانوا مؤمنين قبل ذلك والذين أسلموا في ذلك الوقت ويقال أي الفريقين أصدق قولاً لأنهم قد اختلفوا في البعث منهم من كان ينكر ذلك فظهر لهم أن البعث حق { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم } أي: ننزل عليك في القرآن خبر الفتية { بِٱلْحَقِّ } أي: بالصدق { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ } أي: صدقوا بتوحيد ربهم { وَزِدْنَـٰهُمْ هُدًى } أي: يقيناً وبصيرة في أمر دينهم.