خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ ٱللَّهِ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ
٢٧٢
لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ
٢٧٣
ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
٢٧٤
-البقرة

بحر العلوم

{ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ } وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدم مكة لعمرة القضاء وخرجت معه أسماء بنت أبي بكر فجاءتها أمها قتيلة وجدها أبو قحافة فسألا منها حاجة فقالت: لا أعطيكما شيئاً حتى أستأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنكما لستما على ديني فاستأمرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذه الآية { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء } أي يوفق من يشاء لدينه. فإن قيل قد قال في آية أخرى { { وَإِنَّكَ لَتَهْدِىۤ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [الشورى: 52] وقال ها هنا: { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء } أي يوفق قيل ما يشاء إنما أراد به هناك الدعوة وها هنا أراد به الهدى خاصة وهو التوفيق إلى الهدى. ثم قال تعالى: { وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنفُسِكُمْ } يعني ما تنفقوا من مال فثوابه لأنفسكم إذا تصدقتم على الكفار أو على المسلمين وروي عن عمر بن الخطاب أنه رأى رجلاً من أهل الذمة يسأل على أبواب المسلمين فقال: ما أنصفناك أخذنا منك الجزية ما دمت شاباً ثم ضيعناك بعدما كبرت وضعفت فأمر بأن يجرى عليه قوته من بيت المال. ثم قال تعالى { وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ٱبْتِغَاء وَجْهِ ٱللَّهِ } يعني لا تنفقوا إلا ابتغاء ثواب الله { وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ } [أي يوف ثوابه] إليكم. { وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } أي لا تنقصون من ثواب أعمالكم وصدقاتكم فيكون ما الأولى بمعنى الشرط وما الثانية [للجحود] وما الثالثة للخبر ثم بين موضع الصدقة فقال تعالى: { لِلْفُقَرَاء ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } يعني النفقة والصدقة للفقراء الذين حبسوا أنفسهم في طاعة الله وهم أصحاب الصفة كانوا نحواً من أربعمائة رجل جعلوا أنفسهم للطاعة وتركوا الكسب والتجارة قوله { لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي ٱلأَرْضِ } أي لا يستطيعون الخروج إلى السفر في التجارة { يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ } قرأ حمزة وعاصم وابن عامر: (يحسبهم) بنصب السين في جميع القرآن وقرأ الباقون: بالكسر وتفسير القراءتين واحد يعني يظن الجاهل بأمرهم وشأنهم [أنهم] { أَغْنِيَاءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ } لأنهم يظهرون أنفسهم للناس باللباس وغيره كأنهم أغنياء ويتعففون عن المسألة قوله { تَعْرِفُهُم بِسِيمَـٰهُمْ } أي بصفرة الوجوه من قيام الليل وصوم النهار { لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً } يعني إلحاحاً قال ابن عباس - رضي الله عنه - لا يسألون الناس إلحاحاً ولا غير إلحاح ويقال: أصله من اللحاف لأن السائل إذا كان ملحاً فكأنه يلصق بالمسؤول فيصير كاللحاف [يلتصق] وجعل ذلك كناية عنه. ثم قال تعالى: { وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } يعني عليم بما أنفقتم ويقال: هذا على معنى التحريض فكأنه يقول: عليكم بالفقراء الذين أحصروا في سبيل الله [وقال بعضهم: هذا على معنى التعجب فكأنه يقول: عجباً للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله] ويقال: أنه رد إلى أول الآية وما أنفقتم من نفقة للفقراء الذين أحصروا ثم قال تعالى { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوٰلَهُمْ بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ }. قال مقاتل والكلبي: نزلت هذه الآية في شأن علي بن أبي طالب كانت له أربعة دراهم لم يملك غيرها فلما نزل التحريض على الصدقة تصدق بدرهم بالليل وبدرهم بالنهار وبدرهم في السر وبدرهم في العلانية فنزلت هذه الآية { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوٰلَهُمْ بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } { سِرّا وَعَلاَنِيَةً } يعني خفية وظاهراً. ويقال: هذا حث لجميع الناس على الصدقة يتصدقون في الأحوال كلها وفي الأوقات كلها { فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }.