قوله عز وجل: {وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ} يعني المنافقين منهم {قَالُواْ} للمؤمنين {آمَنَّا} أي أقررنا بالذي أقررتم به. وهم منافقوا أهل الكتاب {وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ} يعني إذا رجعوا إلى رؤسائهم {قَالُواْ} لبعضهم {أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ} أي أتخبرونهم بأن ذكر محمد - صلى الله عليه وسلم - في كتابكم فيكون ذلك حجة عليكم {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أن ذلك حجة لهم عليكم؟ {لِيُحَاجُّوكُم بِهِ} أي ليخاصموكم {عِندَ رَبّكُمْ} باعترافكم أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - نبي لا تتبعوه {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أي أفليس لكم ذهن الإنسانية لا ينبغي لكم هذا فيما بينكم. {أَوَ لاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} قال بعضهم: ما يسرون فيما بينهم وما يعلنون مع أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَـٰبَ} أي من أهل الكتاب وهم السفلة أميون لا يقرأون الكتاب: لا يحسنون قراءة الكتاب ولا كتابته، وقال الزجاج: الأمي المنسوب إلى ما عليه جبلة الأمة يعني هو على الخلقة التي خلق عليها لأن الإنسان في الأصل لا يعلم شيئاً ما لم يتعلم {إِلاَّ أَمَانِىَّ} قال بعضهم: إِلا التلاوة، وهذا كما قال في آية أخرى
{ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَـٰنُ فِىۤ أُمْنِيَّتِهِ } [الحج:52]، أي في تلاوته، يقول: إن السفلة منهم كانوا لا يعرفون من التوراة شيئاً سوى تلاوته. وقال بعضهم: إلا أماني: إلا أباطيل. وروي عن عثمان بن عفان أنه قال: منذ أسلمت ما تغنيت ولا تمنيت أي ما تكلمت بالباطل. وروي في الخبر أن الإنسان إذا ركب دابته ولم يذكر الله تعالى صكه الشيطان في قفاه ويقول له: تغن فإن لم يحسن الغناء يقول له: تمن أي تكلم بالباطل. {وَإِنْ هُمْ} أي وما هم. {إِلاَّ يَظُنُّونَ} لأنه قد ظهر لهم الكذب من رؤسائهم فكانوا يشكون في أحاديثهم وكانوا يظنون من غير يقين. وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إياكم والظن فإنه من أكذب الحديث"