خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
٧٤
ٱللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ ٱلنَّاسِ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ
٧٥
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ
٧٦
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
٧٧
وَجَاهِدُوا فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ ٱجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ
٧٨
-الحج

بحر العلوم

قوله عز وجل: { مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } أي: ما عظموا الله حق عظمته حين أشركوا به غيره ولم يوحدوه ويقال ما وصفوه حق صفته ويقال ما عرفوه حق معرفته كما ينبغي وقال ابن عباس نزلت الآية في يهود المدينة حين قالوا خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استلقى فاستراح ووضع إحدى رجليه على الأخرى وكذب أعداء الله فنزل ما قدروا الله حق قدره { إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ } أي قوي في أمره (عزيز) يعني: منيع في ملكه ومعبودهم لا قوة له ولا منفعة ويقال إن الله لقوي على عقوبة من جعل له شريكاً عزيز للانتقام منهم قوله عز وجل: { ٱللَّهُ يَصْطَفِى مِنَ ٱلْمَلَـٰئِكَةِ رُسُلاً } قيل: جبريل وإسرافيل وميكائيل وملك الموت والحفظة الذين يكتبون أعمال بني آدم { وَمِنَ ٱلنَّاسِ } يعني: ويختار من الناس مثل منهم محمد وعيسى وموسى ونوح عليهم السلام فجعلهم أنبياء ورسلاً إلى خلقه { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } سميع لمقالتهم بصير بمن يتخذه رسولاً وذلك أن الوليد بن المغيرة قال: أأنزل عليه الذكر من بيننا فأخبر الله تعالى أنه سميع مقالة من يكفر بصير بمن يصلح للرسالة فيختاره ويجعله رسولاً ثم قال عز وجل: { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } يعني: من أمر الآخرة وأمر الدنيا { وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } يعني: عواقب الأمور في الآخرة ويقال معناه: منه بدأ وإليه يرجع قوله عز وجل: { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ } يعني: صلوا لله تعالى وقال بعض الناس: يسجد في هذا الموضع، يذكر ذلك عن عمر وابن عمر وروي عن ابن عباس أنه قال السجدة في الحج في الأولى منهما وهذا قول أهل العراق لأن السجدة سجدة الصلاة بدليل أنها مقرونة بالركوع معناه: اركعوا واسجدوا في الصلوات المفروضات التطوع وروي عن ابن عباس أنه قال: أول ما أسلموا كانوا يسجدون بغير ركوع فأمرهم الله تعالى بأن يركعوا ويسجدوا ثم قال: { وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ } أي وحدوه وأطيعوه { وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ } أي: أكثروا من الطاعات والخيرات ما استطعتم وبادروا إليها ويقال: التسبيحات { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } يعني: تنجون من عذاب الله تعالى قوله عز وجل: { وَجَـٰهِدُوا فِى ٱللَّهِ حَقَّ جِهَـٰدِهِ } يعني: اعملوا لله عز وجل حق عمله ويقال: جاهدوا في طاعة الله عز وجل وطلب مرضاته وقال الحسن: حق جهاده أن تؤدي جميع ما أمرك الله عز وجل به وتجتنب جميع ما نهاك الله عنه وأن تترك رغبة الدنيا لرهبة الآخرة وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رجلاً سأله فقال: أي الجهاد أفضل فقال كلمة عدل عند السلطان ثم قال: { هُوَ ٱجْتَبَـٰكُمْ } يعني: إختاركم واصطفاكم { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى ٱلدّينِ مِنْ حَرَجٍ } يعني: في الإسلام من ضيق ولكن جعله واسعاً ولم يكلفكم مجهود الطاقة وإنما كلفكم دون ما تطيقون ويقال: وضع عنكم إصركم والأغلال التي كانت عليكم ويقال وما جعل عليكم في الدين من حرج وهو ما رخص في الإفطار في السفر والصلاة قاعداً عند العلة وقال قتادة: أعطيت هذه الأمة ثلاثاً لم يعطها إلا نبي كان يقال للنبي - صلى الله عليه وسلم - اذهب فليس عليك من حرج وقال لهذه الأمة: وما جعل عليكم في الدين من حرج وكان يقال للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنت شهيد على قومك وقال لهذه الأمة: لتكونوا شهداء على الناس وكان يقال للنبي - صلى الله عليه وسلم - سل تعط وقال لهذه الأمة: { ٱدْعُونِىۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [غافر: 60] ثم قال: { مّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرٰهِيمَ } قال الزجاج: إنما صار منصوباً لأن معناه اتبعوا ملة أبيكم إبراهيم قال: وجائز أن يكون وافعلوا الخير فعل أبيكم إبراهيم ويقال: معناه، وما جعل عليكم في الدين من حرج ولكن جعل لكم ملة سمحة سهلة كملة أبيكم إبراهيم { هُوَ سَمَّـٰكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ } يعني الله تعالى سماكم المسلمين ويقال: إبراهيم سماكم أي: من آمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم - والقرآن [ويقال إبراهيم سماكم المسلمين يا أمة محمد] والطريق الأول أصح لأنه قال: من قبل هذا القرآن { وَفِى هَـٰذَا } يعني: القرآن [الله سماكم المسلمين في سائر الكتب من قبل هذا القرآن وفي هذا القرآن] { لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ } يعني: محمداً - صلى الله عليه وسلم - على أمته بأنه بلغهم الرسالة بالتصديق لهم { وَتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ } يعني: على سائر الأمم أن الرسل قد بلغتهم وقال مقاتل: وتكونوا شهداء على الناس يعني: للناس يعني للرسل على قومهم كقوله وما ذبح على النصب أي المنصب ثم قال: { فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } يعني: أقروا بها وأتموها { وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ } يعني: أقروا بها وأدوها ثم قال: { وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ } يعني: وثقوا بالله إذا فعلتم ذلك ويقال: معناه تمسكوا بتوحيد الله، وهو قول لا إله إلا الله { هُوَ مَوْلَـٰكُمْ } أي: وليكم وناصركم وحافظكم { فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ } يعني: نعم الحافظ { وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ } يعني: نعم المانع لكم برحمته والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.