خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ
١٢
ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ
١٣
ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ
١٤
-المؤمنون

بحر العلوم

قوله تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ مِن سُلَـٰلَةٍ مّن طِينٍ } يعني: آدم قال الكلبي ومقاتل: السلالة إذا عصر الطين يسيل الطين والماء بين أصابعه وقال الكلبي: خلقنا الإنسان يعني ابن آدم من نطفة سُلَّت تلك النطفة من طين والطين آدم عليه السلام والنطفة ما يخرج من صلبه فيقع في رحم المرأة وقال الزجاج سلالة من طين أي [من طين] آدم والسلالة القليل من أن ينسل وكل مبني على فعالة فهو يراد به القليل مثل النخالة والنطفة سلالة وإنما سميت النطفة سلالة لأنها تنسل من بين الصلب والترائب ثم جعلناه { نُطْفَةً فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ } يعني: في مكان حريز حصين { ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً } أي: حولنا الماء دماً { فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً } أي: حولنا الدم مضغة { فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَـٰماً } أي: خلقنا في المضغة عظاماً { فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَـٰمَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَـٰهُ خَلْقاً ءاخَرَ } قال عكرمة وأبو العالية والشعبي: معناه نفخ فيه الروح وروى الأخفش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود أنه (قَالَ إِنَّ خَلْقَ أَحَدكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْل ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَبْعَثُ الله عز وجل مَلَكاً فَيُأْمَرُ بأنْ يَكْتُبَ أَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ فَهِيَ أَرْبَعُ كَلِمَاتٍ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ) وروي عن عطاء عن ابن عباس في قوله (ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ) قال نفخ فيه الروح وروى ابن نجيح عن مجاهد (ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ) قال: حين استوى شاباً وروى معمر عن قتادة ثم أنشأناه خلقاً آخر قال: هو نبات الشعر والأسنان وقال بعضهم: هو نفخ الروح ويقال ذكراً أو أنثى ويقال: معناه ثم أنشأناه خلقاً آخر يعني: الجلد وروي عن عطاء عن ابن عباس أنه قال ينفخ فيه الروح وروي عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ ثم أنشأته خلقاً آخر { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَـٰلِقِينَ } يعني: أحكم المصورين وروى أبو صالح عن عبد الله بن عباس قال: "كان عبد الله بن أبي سرح يكتب هذه الآيات للنبي - صلى الله عليه وسلم - فلما انتهى إلى قوله (ثم أنشأناه خلقاً آخر) عجب من تفضل الإنسان أي من تفضل خلق الإنسان فقال { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَـٰلِقِينَ } فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أكتب هكذا أنزلت" فشك عند ذلك وقال: لئن كان محمد صادقاً فيما يقول: إنه يوحى إليه فقد أوحي إلي كما أوحي إليه ولئن قال من ذات نفسه فلقد قلت مثل ما قال فكفر بالله تعالى وقال مقاتل والزجاج: كان عمر رضي الله عنه عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِذْ أُنْزِلَتْ عليه هذه الآية فقال عمر: { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَـٰلِقِينَ } فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "هكذا أنزلت عليّ" فكأنه أجرى على لسانه هذه الآية قبل قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد قيل إن الحكاية الأولى غير صحيحة لأن ارتداد عبد الله بن أبي سرح كان بالمدينة وهذه الآية مكية قرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر فخلقنا المضغة عظماً فكسونا العظم لحماً وقرأ الباقون بالألف ومعناهما واحد لأن الواحد يغني عن الجنس.