قوله عز وجل: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبّحُ لَهُ } يعني يصلي له ويذكر له ويقال: يخضع له { مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أي: من في السموات من الملائكة ومن في الأرض من الخلق { وَٱلطَّيْرُ صَافَّـٰتٍ } يعني مفتوحة الأجنحة وأصل الصف هو البسط ولهذا يُسمى اللحم القديد صفيفاً لأنه يبسط { كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ } يعني: كل واحد من المسبحين يعلم كيف يصلي وكيف يسبح يعني: والله يعلم عمل كل عامل فيجازيهم بأعمالهم إلا أنه لا يعجل بعقوبة المذنبين والكافرين لأنه قادر عليهم قوله تعالى: { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } وهذا معنى قوله وَلِلَّهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قال مجاهد: في قوله { كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ } الصلاة للإنسان والتسبيح لما سوى ذلك من خلقه ثم قال: { وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } يعني: إليه المرجع في الآخرة قوله عز وجل { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزْجِى سَحَاباً } يعني: يسوق سحاباً { ثُمَّ يُؤَلّفُ بَيْنَهُ } يعني: يجمع بينه { ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً } يعني: قطعاً قطعاً ويقال: يجعل بعضها فوق بعض { فَتَرَى ٱلْوَدْقَ } يعني: المطر { يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ } (يعني: من وسط السحاب قرأ ابن عباس يخرج من خلله وقراءة العامة من خلاله) وهي جمع خلل { وَيُنَزّلُ مِنَ ٱلسَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ } يعني: من جبال في السماء قال مقاتل: روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال جبال السماء أكثر من جبال الأرض فيها من برد أي: في الجبال من برد ويقال: وهو الجبال من البرد أي ينزل من السماء من جبال البرد وروي عن ابن عباس أنه قال: البرد هو الثلج وما رأيته ويقال: الجبال عبارة عن الكثرة يعني: ينزل الثلج مقدار الجبال كما يقال: عند فلان جبال من مال أي: مقدار جبال من كثرته ويقال البرد هو الذي له صلابة كهيأة الجمد { فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ } يعني: البرد يصيب الزرع والإنسان إذا كان في مفازة، قوله: { وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَآءُ } فلا يصيبه ويقال: يصيب به يعني: يعذب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء فلا يعذبه قوله: { يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ } يعني: ضوء برقه { يَذْهَبُ بِٱلأَبْصَـٰرِ } يعني: من شدة نوره قرأ أبو جعفر المدني يُذهب بضم الياء وكسر الهاء وقراءة العامة يذهب بنصب الياء والهاء ثم قال: { يُقَلّبُ ٱللَّهُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ } يعني: يذهب الله بالليل ويجيء بالنهار ويقال ينقص من النهار ويزيد من الليل { إِنَّ فِى ذَلِكَ } يعني: في تقلبهما واختلاف ألوانهما { لَعِبْرَةً } يعني: لآية { لأُوْلِى ٱلأَبْصَـٰرِ } يعني: لذوي العقول والفهم في الدين وسئل سعيد بن المسيب أي العبادة أفضل فقال: التفكير في خلقه والتفقه في دينه ويقال: [العِبَرُ بِالوِقَارِ وَالْمُعْتَبِرُ بِمِثْقَالٍ] ثم قال:
{ وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ... }