خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

تَبَارَكَ ٱلَّذِيۤ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذٰلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً
١٠
بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيراً
١١
إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً
١٢
وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً
١٣
لاَّ تَدْعُواْ ٱلْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَٱدْعُواْ ثُبُوراً كَثِيراً
١٤
قُلْ أَذٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ ٱلْخُلْدِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَآءً وَمَصِيراً
١٥
لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً
١٦
-الفرقان

بحر العلوم

ثم قال عز وجل: { تَبَـٰرَكَ } وتعالى وقد ذكرناه { ٱلَّذِى إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْراً مّن ذٰلِكَ } يعني: خيراً مما يقول الكفار في الآخرة { جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً } في الجنة ويقال: في الدنيا إن شاء أعطاك وروى سفيان عن حبيب بن أبي ثابت قال عن خيثمة قال: قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - إن شئت أن نعطيك خزائن الأرض ومفاتحها ما لم نعط من قبلك أحداً ولا نعطي من بعدك أحداً ولا ينقصك ذلك مما عند الله شيئاً وإن شئت جمعناها لك في الآخرة قال - صلى الله عليه وسلم - "بل اجمعوها لي في الآخرة" فنزل { تَبَارَكَ ٱلَّذِى إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْراً مّن ذٰلِكَ } الآية قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر (وَيَجْعَلُ) بضم اللام على معنى خبر الابتداء والباقون بالجزم لأنه جواب الشرط ثم قال عز وجل: { بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِ } معناه: ولكن كذبوا بالساعة يعني: بالقيامة { وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيراً } يعني: هيأنا لمن كذب بالقيامة وقوداً وهُوَ نار جهنم { إِذَا رَأَتْهُمْ } جهنم { مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ } يعني: من مسيرة خمسمائة عام ويقال من مسيرة خمسمائة سنة { سَمِعُواْ لَهَا } يعني: منها { تَغَيُّظاً } على الكفار { وَزَفِيراً } يعني: صوتاً كصوت الحمار وقال قوم معناه يسمعون منها تغيظ المعذبين وزفيرهم كما قال { { لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ } } [هود: 106] وقال عامة المفسرين التغيظ زفير يسمع من النار ألا ترى أنه قال { سَمِعُواْ لَهَا } ولم يقل سمعوا منها ولا فيها وقال في آية أخرى { { وَهِيَ تَفُورُ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ } [الملك: 8] وروي في الخبر "أن جهنم تزفر زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا خر على وجهه ترعد فرائصهم حتى أن إبراهيم الخليل عليه السلام ليجثو على ركبتيه ويقول يا رب لا أسألك إلا نفسي" ثم قال عز وجل: { وَإَذَا أُلْقُواْ مِنْهَا } يعني: فيها { مَكَاناً ضَيّقاً } يعني: يضيق عليهم المكان كتضييق الزُّجِّ من الرُّمح { مُقْرَّنِينَ } أي: مسلسلين في القيود موثقين في الحديد قرنوا مع الشياطين { دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً } فعند ذلك دعوا بالويل يعني: يقولون واهلاكاه فتقول لهم الخزنة: { لاَّ تَدْعُواْ ٱلْيَوْمَ ثُبُوراً وٰحِداً وَٱدْعُواْ ثُبُوراً كَثِيراً } يعني: ادعوا ويلاً كثيراً دائماً قال الله تعالى للنبي - صلى الله عليه وسلم - { قُلْ } يا محمد لكفار مكة: { أَذٰلِكَ خَيْرٌ } يعني: هذا الذي وصف من العذاب خير { أَمْ جَنَّةُ ٱلْخُلْدِ } فإن قيل كيف يقال: خير وليس في النار خير قيل له: قد يقال على وجه المجاز وإن لم يكن فيه خير، والعاقبة: تقول العاقبة خير من البلاء وإنما خاطبهم بما يتعارفون في كلامهم { ٱلَّتِى وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ } يعني الذين يتقون الشرك والكبائر { كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيراً } يعني: جزاء بأعمالهم الحسنة ومرجعاً إليها ثم قال عز وجل: { لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءونَ } أي يحبون { خَـٰلِدِينَ } أي: دائمين في الجنة { كَانَ عَلَىٰ رَبّكَ وَعْداً } منه في الدنيا { مَسْؤُولاً } يسأله المتقون ويقال: مسئولاً يسأل لهم الملائكة عليهم السلام وهو قوله عز وجل: { { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّـٰتِ عَدْنٍ } [غافر: 8] ويقال وعداً على لسان رسولهم وقد سألوا الله عز وجل ذلك وهو قوله { رَبَّنَا وَءاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ } ويقال وعداً لا خلف فيه لمن سأله.