ثم قال { هَلْ أُنَبّئُكُمْ } يعني: هل أخبركم { عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ ٱلشَّيَـٰطِينُ } هذا موصول بقوله: { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ ٱلشَّيَـٰطِينُ } { تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } يعني: كذاب صاحب الإثم فاجر القلب الأفاك الكذاب والأثيم الفاجر يعني به كهنة الكفار { يُلْقُونَ ٱلسَّمْعَ } يعني: يلقون بآذانهم إلى السمع من السماء لكلام الملائكة عليهم السلام { وَأَكْثَرُهُمْ كَـٰذِبُونَ } يعني: حين يخبرون الكهنة وروى معمر عن الزهري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: الشياطين تسترق السمع فتجيء بكلمة حق فتقذفها في أذن وليها فيزيد فيها أكثر من مائة كذبة وهذا كان قبل أن يحجبوا من السماء ثم قال عز وجل: { وَٱلشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } قال قتادة ومجاهد: يتبعهم الشياطين وقال في رواية الكلبي الغاوون هم الرواة الذين كانوا يروون هجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فيتبعهم ويقال الغاوون هم الضالون ويقال شعراء الكفار كانوا يهجون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال عز وجل { أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلّ وَادٍ يَهِيمُونَ } يعني: في كل وجه وفن يذهبون ويخوضون يأخذون مرة يذمون ومرة يمدحون وذكر عن القتبي أنه قال: في كل واد يهيمون من القول وفي كل مذهب يذهبون كما تذهب البهائم على وجهها وقال غيره هام الرجل والبعير إذا مضى على وجهه لا يدري أين يذهب فكذلك الشاعر يأخذ كلامه لا يدري أين ينتهي قرأ نافع وحده يتبعهم بجزم التاء والتخفيف وقرأ الباقون يتبعهم بنصب التاء والتشديد وهما بمعنى واحد يتبعهم ويتبعهم ثم قال: { وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ } يعني: أن الشعراء يقولون قد فعلنا كذا وكذا وقلنا كذا فيمدحون بذلك أنفسهم وهم كذبة ثم استثنى شعراء المسلمين حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك رضي الله عنهم فقال عز وجل: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً } يعني: ذكروا الله في أشعارهم ويقال: وذكروا الله عز وجل في الأحوال كلها { وَٱنتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ } يعني: انتصر شعراء المسلمين من شعراء الكافرين فكافؤوهم والباديء أظلم ويقال انتصروا من أهل مكة من بعدما أخرجوا لأن الحرب تكون بالسيف وباللسان فأذن القتال بالشعر كما أذن بالسيف إذ فيه قهرهم ثم أوعد شعراء الكافرين فقال تعالى: { وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } يعني: الذين هجوا المسلمين { أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } يعني: أي مرجع يرجعون إليه في الآخرة يعني: إلى الخسران والنار ويقال: هاتان الآيتان مدنيتان يذكر أنه لما نزل والشعراء يتبعهم الغاوون جاء عبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت وهما يبكيان فقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (والشُّعَرَاءُ) إلى قوله { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } فقال: عليه السلام "هذا أنتم { وَٱنتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ } وروي عن عكرمة قال: عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إن من الشعر لحكمة وإن من الشعراء لحكماء" وفي رواية أخرى "وإن من البيان لسحراً" (والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم).