ثم ذكر مرجع المؤمنين ومصيرهم فقال: {لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ} أي اتقوا الشرك والفواحش ووحّدوا، {رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً} لا يموتون فيها، ولا يخرجون منها أبداً {نُزُلاٍ مّنْ عِندِ ٱللَّهِ} يقول ثواباً من عند الله للمؤمنين الموحدين خاصة. {وَمَا عِندَ ٱللَّهِ} الجنة {خَيْرٌ لّلأَبْرَارِ} من الدنيا للمؤمنين المطيعين. {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ} يعني مؤمني أهل الكتاب، معناه، من أهل الكتاب من آمن بالله فصدق بقوله: {وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ} من القرآن وصدق {وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ} من التوراة والإنجيل يعني على أنبيائهم، فذكر حالهم وبين ثوابهم لكي يرغب غيرهم من أهل الكتاب ليؤمنوا إذا علموا بثوابهم، ثم نعتهم فقال تعالى: {خَـٰشِعِينَ للَّهِ} أي متواضعين لله، والخشوع: أصله التذلل وكذلك الخضوع، وقد فرق بعض أهل اللغة بين الخشوع والخضوع، فقال: الخضوع في البدن خاصة، والخشوع يكون في البدن والبصر والصوت والقلب كما قال الله تعالى:
{ وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ } [طه: 108] وقال: { خَـٰشِعَةً أَبْصَـٰرُهُمْ } [القلم: 43]. ثم قال تعالى: {لاَ يَشْتَرُونَ بِـآيَـٰتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً} يعني عرضاً يسيراً كفعل اليهود، {أُوْلـئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ} أي ثوابهم {عِندَ رَبّهِمْ} الجنة {إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ} أي شديد العقوبة ويقال: سريع الحفظ والتعريف. {يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱصْبِرُواْ} أي اصبروا على البلاء والجهاد وأداء الفرائض، وعن المعاصي. {وَصَابِرُواْ} مع نبيكم - صلى الله عليه وسلم - على عدوكم حتى يدعوا دينهم إلى دينكم، يعني يتركوا الشرك، ويدخلوا في الإيمان {وَرَابِطُواْ} مع عدوكم ما أقاموا وهذا قول الكلبي. وقال عكرمة: اصبروا على البلاء وعلى طاعة الله "وصابروا" أهل الضلالة "ورابطوا" الخيول. وقال الزجاج: اصبروا على دينكم وصابروا على عدوكم، ورابطوا أي أقيموا على جهادكم بالحرب {وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ} في جميع ما أمركم ونهاكم. وقال القتبي: أصل المرابطة: أن يربطوا خيولهم في الثغر. {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} يقول: تفوزون وتأمنون النار وتنجون منها، ويقال: أصل الفلاح البقاء بالنعمة، ويقال: الفلاح أن يبلغ الإنسان نهاية ما (يؤمل). والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين آمين.