ثم قال تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ } يعني الميثاق حيث أخرجهم من صُلْبِ آدم - عليه السلام - وَأَخَذَ عليهم الميثاق العهد أن يبلغ الأول الآخر وأن يصدق الآخر الأول فذلك قوله تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ } يعني إقرار النَّبِيِّين { لَمَا ءَاتَيْتُكُم }. قرأ حمزة "لِمَا" [آتيتكم] بكسر اللام والتخفيف، [يعني بما آتيتكم] والباقون [بنصب اللام]، ومعناه: فما آتيتكم يعني، أي كتاب آتيتكم لتؤمنوا به. وقرأ بعضهم: بنصب اللام والتشديد، أي حين آتيتكم { مِّن كِتَـٰبٍ وَحِكْمَةٍ } يعني بيان الحلال والحرام. وقرأ نافع "آتيناكم" بلفظ الجماعة وهو لفظ الملوك، والباقون "آتيتكم" بلفظ الوحدان. ويقال: أخذ الميثاق بالوحي، فلم يبعث نبيّاً إلا ذكر له محمداً - صلى الله عليه وسلم - ونعته، وأخذ عليه ميثاقه أن يبينه لقومه وأن يأخذ منهم ميثاقهم أن يبينوه لمن بعدهم ولا يكتمونه. { ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ } يعني به أهل الكتاب الذين كانوا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - { مُّصَدّقٌ لّمَا مَعَكُمْ } في التوحيد وبعض الشرائع، وذلك أن الله تعالى لما أخذ ميثاق الأنبياء وأخذ الأنبياء الميثاق من قومهم بأن يبينوه، فلما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة فكذبوه فذكرهم الله تعالى ما أتاهم به أنبياؤهم فقال تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلنَّبِيّيْنَ لَمَا ءَاتَيْتُكُم مِّن كِتَـٰبٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ } يعني محمد - صلى الله عليه وسلم - مصدق لما معكم من التوراة، { لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ } يعني قال لهم في الميثاق لتؤمنن به، أي لتصدقنه إذا بُعث { وَلَتَنصُرُنَّهُ } إذا خرج { قَالَ } لهم: { ءَأَقْرَرْتُمْ } بتصديقه، يعني هل أقررتم بما أخذ عليكم من الميثاق بتصديقه ونصره، { وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي } يعني هل قبلتم على ذلك عهدي الذي أخذت عليكم على إيمانكم بمحمد - صلى الله عليه وسلم - { قَالُواْ أَقْرَرْنَا } { قَالَ } الله تعالى: { فَأَشْهِدُواْ } بعضكم على بعض بأني قد أخذت عليكم العهد { وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ } على إقراركم. قال الزجاج: قوله "فاشهدوا" أي فاثبتوا لأن الشاهد هو الذي يصحح دعوى المدعي وأنا معكم من الشاهدين، وشهادة الله للنبيين تبينه أمر نبوتهم بالآيات (المعجزات). وقال القتبي: أصل الإصر، الثقل، فسمي العهد إصراً، لأنه يمنع [صاحبه عن مخالفة] الأمر الذي أخذ [عليه فثقل]