خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَٱلْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً
١٨
أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ أوْلَـٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً
١٩
يَحْسَبُونَ ٱلأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ وَإِن يَأْتِ ٱلأَحْزَابُ يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي ٱلأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَآئِكُمْ وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ مَّا قَاتَلُوۤاْ إِلاَّ قَلِيلاً
٢٠
لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً
٢١
وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلأَحْزَابَ قَالُواْ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً
٢٢
-الأحزاب

بحر العلوم

قوله عز وجل: { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوّقِينَ مِنكُمْ } يعني: يرى المثبطين منكم المانعين من القتال منكم وهم المنافقون { وَٱلْقَائِلِينَ لإِخْوٰنِهِمْ } يعني: لأوليائهم وأصدقائهم { هَلُمَّ إِلَيْنَا } يعني: ارجعوا إلينا إلى المدينة وهذا بلغة أهل المدينة يقولون للواحد وللاثنين والجماعة هلم وسائر العرب تقول للجماعة هلموا ثم قال { وَلاَ يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً } وذلك أن المنافقين كانوا يقولون إن لنا شغلاً فيرجعون إلى المدينة فإذا لقيهم أحد بالمدينة من المؤمنين يقولون دخلنا لشغل ونريد أن نرجع وإذا لقوا أحداً من المنافقين يقولون أي شيء تصنعون هناك ارجعوا إلينا ولا يأتون البأس يعني: ولا يحضرون القتال إلا قليلاً رياءً وسمعةً ولو كان ذلك لله لكان كثيراً وهذا كقوله: { وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً }.

ثم قال عز وجل: { أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ } يعني: أشفقة عليكم حباً لكم حتى يعوقكم يا معشر المسلمين ويقال: يعني: بخلاء في النفقة عليكم ويقال فيه تقديم فكأنه يقول ولا يأتون البأس شفقة عليكم أي لم يحضروا شفقة عليكم إلا قليلاً يعني: لا قليلاً ولا كثيراً { فَإِذَا جَاء ٱلْخَوْفُ } يعني: خوف القتال { رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ } من الخوف { تَدورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِى يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ } يعني: تدور أعينهم كدوران الذي هو في غثيان الموت ونزعاته جبناً وخوفاً { فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ } وجاءت قسمة الغنيمة { سَلَقُوكُم } يعني: رموكم ويقال: طعنوا فيكم { بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ } يعني: سلاط باسطة بالشر { أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ } يعني: حرصاً على الغنيمة ويقال: بخلاً على الغنيمة { أوْلَـئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ } يعني: لم يصدقوا حقّ التصديق { فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَـٰلَهُمْ } يعني: أبطل الله ثواب أعمالهم { وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } يعني: إبطال أعمالهم ويقال عذابهم في الآخرة على الله هين ثم قال عز وجل: { يَحْسَبُونَ ٱلأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ } يعني: يظنون أن الجنود لم يذهبوا من الخوف والرعب { وَإِن يَأْتِ ٱلأَحْزَابُ } مرة أخرى ويقال: حكاية عن الماضي { يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِى ٱلأَعْرَابِ } يعني: تمنوا أنهم خارجون في البادية مع الأعراب { يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ } يعني: عن أخباركم وأحاديثكم { وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ } يعني: معكم في القتال { مَّا قَاتَلُواْ إِلاَّ قَلِيلاً } رياء وسمعةً من غير حسبة وقرىء في الشاذ يسألون بتشديد السين وأصله يتساءلون أي يسأل بعضهم بعضاً وقراءة العامة يسـألون لأنهم يسألون القادمين ولا يسأل بعضهم بعضاً قوله عز وجل: { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } قرأ عاصم أسوة بضم الألف وقرأ الباقون بالكسر وهما لغتان ومعناهما واحد يعني لقد كان لكم اقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وقدوة حسنة وسنة صالحة لأنه كان أسبقهم في الحرب وكسرت رباعيته يوم أحد وَوَاسَاكُمْ بنفسه في مواطن الحرب { لّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ } يعني: يخاف الله عز وجل: { وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً } باللسان { وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلأَحْزَابَ } يعني: الجنود يوم الخندق والقتال { قَالُواْ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } في سورة البقرة وهو قوله عز وجل { { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم } [البقرة: 214] الآية ويقال: إنه قد أخبرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نازل ذلك الأمر فلما رأوه { قَالُواْ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } { وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيماً } يعني: لم يزدهم الجهد والبلاء إلا تصديقاً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - وجرأة وتسليماً يعني: تواضعاً لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم نعت المؤمنين.