قوله عز وجل: { قُلْ } يا محمد { إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِى } يعني وزور الضلال على نفسي { وَإِنِ ٱهْتَدَيْتُ } إلى الحق والهدى { فَبِمَا يُوحِى إِلَىَّ رَبّى } يعني اهتديت بما يوحي إلي من القرآن { إِنَّهُ سَمِيعٌ } للدعاء { قَرِيبٌ } بالإجابة ممن دعاه وقيل للنابغة حين أسلم: أصبوت يعني آمنت بمحمد - صلى الله عليه وسلم - قال: بلى هو غلبني بثلاث آيات من كتاب الله عز وجل فأردت أن أقول ثلاثة أبيات من الشعر على قافيتها فلما سمعت هذه الآيات فعييت فيها ولم أطق فعلمت أنه ليس من كلام البشر وهي هذه { قُلْ إِنَّ رَبّى يَقْذِفُ بِٱلْحَقّ عَلَّـٰمُ ٱلْغُيُوبِ } { قُلْ جَاء ٱلْحَقُّ وَمَا يُبْدِىء ٱلْبَـٰطِلُ وَمَا يُعِيدُ } { قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِى وَإِنِ ٱهْتَدَيْتُ فبِمَا يُوحِى إِلَىَّ رَبّى إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ } قوله عز وجل: { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ } يعني: خافوا من العذاب { فَلاَ فَوْتَ } يعني: فلا نجاة لهم منها { وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ }.
روي عن الكلبي أنه قال: نزلت الآية في قوم يقال لهم السفيانية يخرجون في آخر الزمان عددهم ثلاثون ألف رجل إلى أن يبلغوا أرض الحجاز فافترقوا فرقتين فتقدمت فرقة إلى موضع يقال له بيداء صاح بهم جبريل عليه السلام صيحة فخسف بهم الأرض كلهم إلا واحداً منهم ينجو فيحول وجهه إلى خلفه فيرجع إلى الفرقة الأخرى فيخبرهم بما أصابهم يعني ولو ترى يا محمد فزعهم حين صاح بهم جبريل عليه السلام فلا فوت أي لا يفوت منهم فايت وأخذوا من مكان قريب يعني خسف بهم البيدا بقرب مكة، ويقال: يعني: يوم القيامة ولو ترى يا محمد إذ فزعوا حين نزل بهم العذاب يوم القيامة فلا فوت وأخذوا من مكان قريب، كما قال: وبرزت الجحيم، وقال الحسن: ولو ترى إذ فزعوا من قبورهم يوم القيامة، وقال الضحاك: يعني يوم بدر ثم قال عز وجل { وَقَالُواْ ءامَنَّا بِهِ } يعني العذاب حين رأوه يقول الله تعالى { وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ } يعني من أين لهم التوبة ويقال: من أين لهم الرجفة قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وعاصم في إحدى الروايتين التناؤش بالهمز وقرأ الباقون بغير همز فمن قرأ بالهمز فهو من التناوش وهو الحركة في إبطاء، والمعنى من أين لهم أن يتحركوا فيما لا حيلة لهم فيه، ومن قرأ بغير همز فهو من التناول، ويقال: تناول إذا مد يده إلى شيء ليصل إليه وتناوش يده إذا مد يده إلى شيء لا يصل إليه ثم قال { مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ } يعني من الآخرة إلى الدنيا وروي عن ابن عباس أنه قال: من مكان بعيد قال: سألوا الرد حين لا رد ثم قال عز وجل: { وَقَدْ كَـفَرُواْ بِهِ مِن قَـبْلُ } يعني كفروا بالله من قبل الموت، ويقال به يعني: بمحمد - صلى الله عليه وسلم، ويقال: بالقرآن { وَيَقْذِفُونَ بِٱلْغَيْبِ } يعني: يتكلمون بالظن في الدنيا { مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ } أنه لا جنة ولا نار ولا بعث ثم قال { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } يعني من الرجفة إلى الدنيا ويقال من التسوية كيف ينالون التسوية في هذا الوقت، وقد كفروا به من قبل { كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَـٰعِهِم مّن قَبْلُ } يعني الأقدمون أهل دينهم الأولون من قبل الأشياع جمع الجمع يقال: شيعة وشيع وأشياع ثم قال { إِنَّهُمْ كَانُواْ فِى شَكّ مُّرِيبِ } يعني هم في شك مما نزل بهم مريب يعني أنهم لا يعرفون شكهم، وقال القتبي: في قوله فلا فوت: يعني لا مهرب ولا ملجأ وهذا مثل قوله:
{ { فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ } [ص: 3] أي: نادوا حين لا مهرب والله أعلم.