خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَجَآءَ مِنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ
٢٠
ٱتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُّهْتَدُونَ
٢١
وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
٢٢
أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ ٱلرَّحْمَـٰنُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونَ
٢٣
إِنِّيۤ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٢٤
إِنِّيۤ آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَٱسْمَعُونِ
٢٥
قِيلَ ٱدْخُلِ ٱلْجَنَّةَ قَالَ يٰلَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ
٢٦
بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُكْرَمِينَ
٢٧
وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ
٢٨
إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ
٢٩
يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
٣٠
أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ
٣١
وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ
٣٢
-يس

بحر العلوم

قوله تعالى: { وَجَاء مِنْ أَقْصَى ٱلْمَدِينَةِ } يعني من وسط المدينة، وهو حبيب بن إسرائيل النجار { رَجُلٌ يَسْعَىٰ } يعني يسعى في مشيه، وقال بعضهم هو الذي عاش ابنه بعد الموت بدعاء الرسل، فجاء وأسلم، وقال بعضهم: كان ابنه مريضاً فبرىء بدعوة الرسل، فصدق بهم، فلما بلغه أن القوم أرادوا قتل الرسل جاء ليمنع الناس عن قتلهم، وقال قتادة: كان في غار يدعو ربه، فلما بلغه مجيء الرسل أتاهم { قَالَ يَـا قَوْمٌ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ } يعني دين المرسلين، ثم قال للرسل هل تسألون على هذا أجراً؟ فقالوا لا، فقال للقوم: { ٱتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْـئَلُكُمْ أَجْراً } يعني على الإيمان { وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } يدعوكم إلى التوحيد، فقال له قومه: تبرأت عن ديننا واتبعت دين غيرنا فقال { وَمَا لِىَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِى فَطَرَنِى } يعني خلقني، قرأ حمزة وابن عامر في إحدى الروايتين { وَمَا لِىَ } بسكون الياء، وقرأ الباقون بالفتح، وهما لغتان وكلاهما جائز ثم قال { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } يعني تصيرون إليه بعد الموت، وهذا كقوله: { { وَللَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [آل عمران: 180] فقالوا له ارجع إلى ديننا، فقال حبيب { أَءتَّخِذُ مِن دُونِهِ ءالِهَةً } يعني أعبد من دونه أصناماً { إِن يُرِدْنِ ٱلرَّحْمَـٰنُ بِضُرّ } يعني ببلاء وشدة إذا فعلت ذلك { لاَّ تُغْنِ عَنّى شَفَـٰعَتُهُمْ شَيْئاً } يعني لا تقدر الآلهة أن يشفعوا لي { وَلاَ يُنقِذُونَ } يعني لا يدفعون عني الضرر { إِنّى إِذاً لَّفِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } يعني إني إذا فعلت ذلك لفي خسران بين { إِنّى ءامَنتُ بِرَبّكُمْ فَٱسْمَعُونِ } يعني فاشهدوني وأعينوني بقول: لا إلٰه إلا الله وقال ابن عباس: أُلقي في البئر، وهو الرس، كما قال { { وَأَصْحَابُ ٱلرَّسِّ } [ق: 12]، وقال قتادة قتلوه بالحجارة وهو يقول: رب اهد قومي فإنهم لا يعلمون، وقال مقاتل أخذوه ووطؤوه تحت أقدامهم حتى خرجت أمعاؤه ثم ألقي في البئر، وقتلوا الرسل الثلاثة فلما ذهب بروح حبيب النجار إلى الجنة فــ { قِيلَ } له { ٱدْخُلِ ٱلْجَنَّةَ قَالَ يٰلَيْتَ قَوْمِى يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِى رَبّى } وذلك حين دخلها، وعاين ما فيها من النعيم، تمنى أن يسلم قومه، فقال: { قَالَ يٰلَيْتَ قَوْمِى يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِى رَبّى } بالذي غفر لي ربي، ويقال: بمغفرتي، ويقال: بماذا غفر لي ربي، فلو علموا لآمنوا بالرسل، ثم قال: { وَجَعَلَنِى مِنَ ٱلْمُكْرَمِينَ } أي الموحدين في الجنة نصح لهم في حياته، وبعد وفاته، يقول الله تعالى { وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مّنَ ٱلسَّمَاء } يعني من بعد حبيب النجار { مِن جُندٍ } من السماء يعني الملائكة { وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ } يعني لم نبعث إليهم أحداً { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وٰحِدَةً } يعني ما كانت إلا صيحة جبريل عليه السلام { فَإِذَا هُمْ خَـٰمِدُونَ } يعني ميتون لا يتحركون { يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ } يعني يا ندامة على العباد في الآخرة، يعني يقولون يا حسرتنا على ما فعلنا بالأنبياء عليهم السلام { مَا يَأْتِيهِمْ مّن رَّسُولٍ } في الدنيا { إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } ثم خوف المشركين بمثل عذاب الأمم الخالية ليعتبروا، فقال { أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا } يعني ألم يعلموا، ويقال: ألم يخبروا كم أهلكنا { قَبْلَهُمْ مّنَ ٱلْقُرُونِ } يعني كم عاقبنا من القرون الماضية { أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ } إلى الدنيا { وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } قرأ عاصم وحمزة وابن عامر، بتشديد الميم، وقرأ الباقون بالتخفيف، فمن قرأ بالتشديد فمعناه: وما كل إلا جميع، ومن قرأ بالتخفيف فما: زائدة ومؤكدة، والمعنى وإن كل لجميع لدينا محضرون، يعني يوم القيامة محضرون عندنا، ثم وعظهم كي يعتبروا من صنعه، فيعرفوا توحيده.