خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِزِينَةٍ ٱلْكَوَاكِبِ
٦
وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ
٧
لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ
٨
دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ
٩
إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ
١٠
فَٱسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَآ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ
١١
بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ
١٢
وَإِذَا ذُكِّرُواْ لاَ يَذْكُرُونَ
١٣
وَإِذَا رَأَوْاْ آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ
١٤
وَقَالُوۤاْ إِن هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ
١٥
أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ
١٦
أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ
١٧
قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ
١٨
-الصافات

بحر العلوم

قال { إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَاء ٱلدُّنْيَا } يعني: الأدنى، وإنما سميت سماء الدنيا لأنها أقرب إلى الأرض { بِزِينَةٍ ٱلْكَوٰكِبِ } أي: بضوء الكواكب، قرأ حمزة وعاصم في رواية حفص (بِزِينَةٍ) بالتنوين (الكَوَاكِبِ) بالكسر بغير تنوين بكسر الباء وقرأ عاصم في رواية أبي بكر (بِزِينَةٍ) بالتنوين (الكَوَاكِبِ) بالنصب والباقون (بِزِينَة) بالكسر بغير تنوين (الكَوَاكب) بكسر الباء فمن قرأ بزينة الكواكب بالكسر جعل الكواكب بدلاً من الزينة والمعنى: إنا زينا السماء الدنيا بالكواكب ومن قرأ بالنصب أقام الزينة مقام التزيين، فكأنه قال: إنّا زينا السماء الدنيا بتزيننا الكواكب، فيكون الكواكب على معنى التفسير، ومن قرأ بغير تنوين فهو على إضافة الزينة إلى الكواكب، وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال - الكواكب معلقة بالسماء كالقناديل - ويقال إنها مركبة عليها كما تكون في الصناديق والأبواب ثم قال: { وَحِفْظاً مّن كُلّ شَيْطَـٰنٍ مَّارِدٍ } يعني: حفظ الله تعالى السماء بالكواكب من كل شيطان متمرد يعني شديد يقال: مرد يمرد إذا اشتد ثم قال: { لاَ يَسَّمَّعُونَ } قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص (لاَ يَسَّمعُونَ) بنصب السين والتشديد، والباقون (يَسْمَعُونَ) بنصب الياء وجزم السين مع التخفيف، فمن قرأ بجزم السين فهو بمعنى يسمعون، ومن قرأ بالتشديد فأصله يتسمعون فأدغمت التاء في السين وشددت يعني لكيلا يستمعون { إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ } يعني: إلى الكتبة { وَيَقْذِفُونَ } يعني: يرمون { مِن كُلّ جَانِبٍ دُحُوراً } يعني: طرداً من كل ناحية من السماء وكانوا من قبل (يستمعون إلى كلام الملائكة) عليهم السلام، قال حدثنا الخليل بن أحمد قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن علي بن الحسين عن ابن عباس قال: "بَيْنَمَا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ في نَفَرٍ من أصحابه إذ رمى بنجم فاستنار، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما كنتم تقولون لمثل هذا في الجاهلية؟ فقالوا يموت عظيم أو يولد عظيم فقال عليه السلام: إنه لا يرمى لموت أحد ولا لحياته ولكن الله عز وجل إذا قضى أمراً يسبحه حملة العرش وأهل السماء السابعة يقول ماذا قال ربكم فيخبرونهم فيستخبر أهل كل سماء أهل السماء الأخرى حتى ينتهي الخبر إلى السماء الدنيا فتخطف الجن، ويرمون فيما جاؤوا به على وجهه فهو حق ولكنهم يزيدون فيه ويكذبون" قال معمر قلت للزهري؟ أو كان يرمى به في الجاهلية قال نعم قال قالت الجن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - { { وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَـٰعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } [الجن: 9] قال غلظ وشدد أمرها حيث بعث النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقوله { دُحُوراً } يعني: طردا بالشهب فيعيدونهم { وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ } يعني: دائم، يعني: الشياطين لمن استمع ولمن لم يستمع في الآخرة وقال مقاتل: في الآية تقديم { إِلاَّ مَنْ خَطِفَ } من الشياطين { ٱلْخَطْفَةَ } يختطف، يعني: يستمع إلى الملأ الأعلى من كلام الملائكة عليهم السلام { فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ }، والشهاب في اللغة: كل أبيض ذي نور، والثاقب: المضيء { فَٱسْتَفْتِهِمْ } يعني: سل أهل مكة، وهذا سؤال تقرير لا سؤال استفهام وقال تعالى: { أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً } بالبعث { أَم مَّنْ خَلَقْنَا } يعني: ما خلقنا من السموات، وما ذكر من المشارق والمغارب، ويقال: أهم أشد خلقاً بالبعث، يعني بعثهم أشد { أَم مَّنْ خَلَقْنَا } يعني: أم خلقهم في الابتداء ثم ذكر خلقهم في الابتداء فقال: { إِنَّا خَلَقْنَـٰهُم مّن طِينٍ لاَّزِبٍ } يعني: خلقنا آدم وهم من نسله من طين حمئة، ويقال: لاَزِب: أي لاصق، ويقال لاَزِب يعني: لازم، إِلاَّ أن الباء تبدل من الميم، لقرب مخرجهما، كما يقال: سمد رأسه وسبد إذا استأصله، واللازب، واللاصق واحد، ثم قال: { بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخُرُونَ } قرأ حمزة والكسائي: (عَجِبْتُ) بضم التاء، وقرأ الباقون بالنصب، فمن قرأ بالنصب فالمعنى بل عجبت يا محمد من نزول الوحي عليك والكافرون يسخرون مكذبين لك، ومن قرأ (بَلْ عَجِبْتُ) بالضم فهو إخبار عن الله تعالى، وقد أنكر قوم هذه القراءة، وقالوا إن الله تعالى لا يعجب من شيء، لأنه علم الأشياء قبل كونها، وإنما يتعجب من سمع أو رأى شيئاً لم يسمعه ولم يره، ولكن الجواب أن يقال: العجب من الله عز وجل بخلاف العجب من الآدميين، ويكون على وجه التعجب، ويكون على وجه الإنكار والاستعظام لذلك القول كما قال في آية أخرى { { وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ } [الرعد: 5] وروى الأعمش عن سفيان بن سلمة أن شريحاً كان يقرأ: (بل عجبت) بالنصب ويقول إنما يعجب من لا يعلم، وقال الأعمش فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي فقال إبراهيم النخعي إن شريحاً كان معجباً برأيه، وعبد الله بن مسعود كان أعلم منه وكان يقرؤها (بَلْ عَجِبْتُ) بالضم وروي عن ابن عباس أنه كان يقرأ هكذا بالضم، وهو اختيار أبي عبيدة ثم قال: { وَيَسْخُرُونَ } يعني: يسخرون حين سمعوا { وَإِذَا ذُكّرُواْ لاَ يَذْكُرُونَ } يعني: إذا وعظوا بالقرآن لا يتعظون، { وَإِذَا رَأَوْاْ ءايَةً } يعني: علامة مثل انشقاق القمر { يَسْتَسْخِرُونَ } يعني: يستهزئون ويسخرون، وقال أهل اللغة سخر واستسخر بمعنى واحد، مثل قر واستقر { وَقَالُواْ إِن هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } يعني بين قوله عز وجل: { أَءذَا مِتْنَا } يعني يقولون إذا متنا { وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَـٰماً أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ } يعني: لمحيون بعد الموت { أَوَ ءابَاؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ قُلْ } يا محمد { نَعَمْ وَأَنتُمْ دٰخِرُونَ } يعني: صاغرون.