خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي ٱلأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِـيجُ فَـتَرَاهُ مُصْفَـرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ
٢١
أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٢٢
ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ
٢٣
أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ
٢٤
كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ ٱلْعَـذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ
٢٥
فَأَذَاقَهُمُ ٱللَّهُ ٱلْخِزْيَ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ
٢٦
-الزمر

بحر العلوم

قوله عز وجل: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِى ٱلأَرْضِ } أي فأدخله في الأرض فجعله ينابيع يعني عيوناً في الأرض تنبع، ويقال { فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِى ٱلأَرْضِ } يعني جارياً في الأرض وهي تجري فيها، ويقال جعل فيها أنهاراً وعيوناً { ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ } أحمر وأصفر وأخضر { ثُمَّ يَهِـيجُ } أي يتغير { فَـتَرَاهُ مُصْفَـرّاً } أي يابساً بعد الخضرة، ويقال ثُمَّ يَهِـيجُ يعني ييبس، ويقال: يهـيج أي يتم ويشتد، من هاج يهيج، أي تم يتم فَـتَرَاهُ مُصْفَـرّاً متغيراً عن حاله { ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَـٰماً } قال القتبي: حطاماً مثل الرفات والفتات، وقال الزجاج: الحطام: ما تفتت وتكسر من النبت، وقال مقاتل: حطاماً يعني هالكاً { إِنَّ فِى ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ } أي فيما ذكر لعظة { لأُوْلِى ٱلأَلْبَـٰبِ } يعني لذوي العقول من الناس { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلَـٰمِ } يعني وسع الله قلبه للإسلام، ويقال: لين الله قلبه لقبول التوحيد { فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مّن رَّبّهِ } يعني على هدى من الله تعالى وجوابه مضمر، يعني أفمن شرح الله صدره للإسلام، واهتدى، كمن طبع على قلبه وختم على قلبه فلم يهتد، ويقال: فَهُوَ عَلَى نُورٍ مّن رَّبّهِ يعني القرآن. لأن فيه بيان الحلال والحرام، فهو على نور من ربه لمن تمسك به ويقال على نور: يعني التوحيد والمعرفة، وروي في الخبر أنه لما نزلت هذه الآية: { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلَـٰمِ } قالوا فكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: "إذا دخل النور في القلب انفسح وانشرح قالوا: فهل لذلك علامة؟ قال: نعم التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزول الموت" ثم قال: { فَوَيْلٌ } يعني الشدة من العذاب { لّلْقَـٰسِيَةِ قُلُوبُهُمْ } يعني لمن قست، ويبست قلوبهم { مّن ذِكْرِ ٱللَّهِ } تعالى ويقال القاسية: الخالية من الخير { أُوْلَـٰئِكَ } يعني أهل هذه الصفة { فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } أي في خطأ بيّن قوله عز وجل { ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ } يعني أحكم الحديث وهو القرآن، وذلك أن المسلمين قالوا لبعض مؤمني أهل الكتاب نحو عبد الله بن سلام أخبرنا عن التوراة فإن فيها علم الأولين والآخرين، فأنزل الله تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ يعني أنزل عليكم أحسن الحديث وهو القرآن، ويقال: أحسن الحديث يعني أحسن من سائر الكتب، لأن سائر الكتب صارت منسوخة بالقرآن { كِتَـٰباً مُّتَشَـٰبِهاً } يعني يشبه بعضه بعضاً ولا يختلف، ويقال متشابهاً يعني موافقاً لسائر الكتب في التوحيد، وفي بعض الشرائع، وروي عن الحسن البصري أنه قال: متشابهاً يعني خياراً لا رذالة فيه ويقال متشابهاً: اشتبه على الناس تأويله ثم قال { مَّثَانِيَ } يعني أن الأنباء والقصص تثنى فيه، ويقال: سمي مثاني لأن فيه سورة المثاني يعني سورة الفاتحة { { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [الفاتحة: 2] ثم قال: { تَقْشَعِرُّ مِنْهُ } يعني ترتعد مما فيه من الوعيد { جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ } ويقال تقشعر منه يعني تتحرك مما في القرآن من الوعيد، ويقال ترتعد منه الفرائص { ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ } يعني بعد الاقشعرار { إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } من آية الرحمة والمغفرة، يعني إذا قرأت آيات الرجاء والرحمة تطمئن قلوبهم وتسكن { ذٰلِكَ } يعني القرآن، { هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِى بِهِ مَن يَشَاء } يعني بالقرآن من يشاء الله أن يهديه إلى دينه { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ } عن دينه { فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } يعني لا يقدر أحد أن يهديه بعد خذلان الله تعالى قوله عز وجل { أَفَمَن يَتَّقِى بِوَجْهِهِ سُوءَ ٱلْعَذَابِ } يعني أفمن يدفع بوجهه شدة سوء العذاب، وجوابه مضمر، يعني هل يكون حاله كحال من هو في الجنة، يعني ليس الضال الذي تصل النار إلى وجهه كالمهتدي الذي لا تصل النار إلى وجهه ليسا سواء، وقال أهل اللغة: أصل الاتقاء في اللغة: الإوتقاء وهو التستر، يعني وجهه إلى النار كالذي لا يفعل ذلك به، وروى ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال { أَفَمَن يَتَّقِى بِوَجْهِهِ سُوء ٱلْعَذَابِ } يعني يجر على وجهه في النار، وهذا كقوله: { { أَفَمَن يُلْقَىٰ فِى ٱلنَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِىۤ ءَامِناً يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } [ فصلت: 40] ويقال { أَفَمَن يَتَّقِى بِوَجْهِهِ سُوءَ ٱلْعَذَابِ } معناه أنه يلقى في النار مغلولاً، لا يتهيأ له أن يتقي النار إلا بوجهه { يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَقِيلَ لِلظَّـلِمِينَ } يعني للكافرين { ذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } من التكذيب قوله عز وجل { كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } يعني من قبل قومك رسلهم { فَأَتَـٰهُمُ ٱلْعَـذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } يعني لا يعلمون، ولا يحتسبون وهم غافلون { فَأَذَاقَهُمُ ٱللَّهُ ٱلْخِزْىَ } العذاب { فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ } يعني أعظم مما عذبوا به في الدنيا { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } ولكنهم لا يعلمون.