خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً
١٠٥
وَٱسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً
١٠٦
وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً
١٠٧
يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَىٰ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً
١٠٨
هَٰأَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ جَٰدَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا فَمَن يُجَٰدِلُ ٱللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً
١٠٩
-النساء

بحر العلوم

ثم قال: { إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقِّ } يعني أنزلنا عليك جبريل عليه السلام ليقرأ عليك القرآن بالعدل، والأمر والنهي { لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَا أَرَاكَ ٱللَّهُ } أي بما أعلمك الله، وألهمك، وبما أوحي إليك، { وَلاَ تَكُنْ لّلْخَائِنِينَ خَصِيماً } ولا تكن للسارقين معيناً. وروى محمد بن إسحق، عن عاصم بن عمر، عن جده قتادة بن النعمان قال: كان بنو أبيرق، وكانوا ثلاثة بشر، وبشير، ومبشر، فكان بشر يكنى، أبا طعمة، وكان شاعراً، وكان منافقاً، وكان يقول الشعر يهجو به أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يقول: قال فلان، وكان لعمي رفاعة بن زيد علية فيها طعام، وسلاح، فطرقه بشر من الليل، فأخذ ما فيها من الطعام والسلاح، فلما أصبح عمي دعاني وقال لي: إنه أغير علينا الليلة، فقلت: من فعله؟ فقال: بشير وأخوه فجئت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته أن بشيراً قد سرق من عمي الطعام والسلاح، فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه، وأما السلاح فليردوه علينا، فجاء قومه، وكانوا أهل لسان وبيان فقالوا: إن رفاعة وابن أخيه عمدوا إلى أهل بيت منا يتهمونهم بالسرقة، فوقع قولهم عند النبي - صلى الله عليه وسلم - موقعاً، فبين الله خيانتهم فنزل: { وَلاَ تَكُنْ لّلْخَائِنِينَ خَصِيماً } وهو ابن طعمة، وقال الضحاك " سرق طعمة بن أبيرق اليهودي درعاً للزبير بن العوام، فاختصما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال للزبير: لا بد لك من أن تأتي على ذلك بحجة قيمة، وشهادة صحيحة" . فأنزل الله تعالى تصديقاً لقوله { وَلاَ تَكُنْ لّلْخَائِنِينَ خَصِيماً }. وقال مقاتل: سرق طعمة بن أبيرق المنافق درعاً من يهودي فلما جاءوا إلى بيته بالأثر رمى الدرع في دار رجل من الأنصار، وأنكر فجاء قومه ليبرؤه من السرقة، فنزلت هذه الآية، وقال الكلبي: سرق طعمة بن أبيرق درعاً من جار له يقال له: قتادة بن النعمان، فوضعه عند رجل من اليهود يقال له: زيد بن السمين، وأنكر السرقة، فجاء قومه يخاصمون عنه، فنزلت هذه الآية: { وَلاَ تَكُنْ لّلْخَائِنِينَ خَصِيماً }. قوله تعالى: { وَٱسْتَغْفِرِ ٱللَّهِ } عن جدالك، عن طعمة حين جادلت عنه، { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }. ثم قال تعالى: { وَلاَ تُجَـٰدِلْ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ } يقول: ولا تخاصم عن الذين يضرون أنفسهم بالسرقة { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً } أي خائناً بالسرقة، فاجراً برميه على غيره. ثم قال تعالى: { يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ }. قال الضحاك: لما سرق الدرع اتخذ حفرة في بيته، وجعل الدرع تحت التراب فنزل: يستخفون من الناس بالتراب { وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱللَّهِ } يقول: لا يخفى مكان الدرع على الله { وَهُوَ مَعَهُمْ } أي رقيب حفيظ عليهم. ويقال: يستخفون: يعني يستترون من الناس، وهم قوم طعمة، ولا يستخفون من الله، يقال: ولا يقدرون أن يستتروا من الله { وَهُوَ مَعَهُمْ } يعني عالماً بهم وبخيانتهم. { إِذْ يُبَيّتُونَ } يقول إذ يؤلفون، ويغيرون { مَا لاَ يَرْضَىٰ مِنَ ٱلْقَوْلِ } يقول: ما لا يرضوا لأنفسهم من القول، وهم سرقوا، ويقال: ما لا يرضي الله ولا يحبه، ثم قال: { وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً } أي عالماً بهم وبخيانتهم. ثم أقبل على قوم طعمة فقال: { هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلاءِ } يقول: ها أنتم هؤلاء { جَـٰدَلْتُمْ } أي خاصمتم { عَنْهُمْ فِي ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا، فَمَن يُجَـٰدِلُ ٱللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } يقول: فمن يخاصم الله عنهم يوم القيامة. { أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً } أي، كفيلاً، ويقال: خصيماً.

وقال الضحاك: أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقيم الحد على طعمة بن أبيرق وكان طعمة مطاعاً في اليهود، فجاءت اليهود شاكين في السلاح، وهربوا بطعمة وجادلوا عنه فنزل ثم ها أنتم هؤلاء، يعني اليهود... الآية.