خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلاً
١٢٢
لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً
١٢٣
وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً
١٢٤
-النساء

بحر العلوم

قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } أي صدقوا بالله تعالى والرسول، والقرآن وأدوا الفرائض وانتهوا عن المحارم { سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّـٰتٍ } وهي البساتين { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } وهي أربعة أنهار: نهر من ماء غير آسن، ونهر من لبن، ونهر من خمر، ونهر من عسل مصفى، { خَـٰلِدِينَ فِيهَا أَبَداً } يعني مطمئنين فيها لا يتغير بهم الحال، فهذا وعد من الله تعالى، ثم قال: { وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً } أي صدقاً، وكائناً، أنجز لهم ما وعد لهم من الجنة { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلاً } أي قولاً ووعداً. قوله تعالى: { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيّكُمْ وَلا أَمَانِيّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } وذلك أن أهل الكتاب قالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى، وقال المؤمنون: إنا أسلمنا لا تضرنا الذنوب، فنزل: { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيّكُمْ وَلا أَمَانِيّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } يقول: ليس لكم يا معشر المسلمين ما تمنيتم، ولا أهل الكتاب ما تمنوا { مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } أي من يعمل معصية دون الشرك يعاقب به. وقال الزجاج: معناه، ليس ثواب الله بأمانيكم، ولا أماني أهل الكتاب، وقد جرى ما يدل على إضمار الثواب، وهو قوله: { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } أي إنما يدخل الجنة من آمن وعمل صالحاً ليس كما تمنيتم و { مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } أي لا ينفعه تمنيه. ويقال: لما نزلت هذه الآية: " { مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } شق ذلك على المسلمين، وقال أبو بكر - رضي الله عنه - كيف الفلاح بعد هذه الآية يا رسول الله فقال - صلى الله عليه وسلم - ألست تمرض؟ ألست تصيبك اللأواء؟ أي الشدة، فذلك كله جزاؤه" . حدثنا الخليل بن أحمد، قال: حدثنا العباسي، قال: حدثنا الحسن بن صباح قال: حدثنا عبد الوهاب الخفاف عن زياد عن علي بن زيد، عن مجاهد قال: مر ابن عمر على ابن الزبير، وهو مصلوب، فنظر إليه فقال: يغفر الله لك ثلاثة، والله ما علمتك إلا كنت صواماً قواماً، وصالاً للرحم، أما والله، إني لأرجو مع مساوىء ما أصبت أن لا يعذبك الله بعدها أبداً، ثم التفت فقال - سمعت أبا بكر الصديق يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من يعمل سوءاً يجز به في الدنيا" . وروى محمد بن قيس، عن أبي هريرة قال: لما نزلت { مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } شق ذلك على المسلمين، فشكوا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "قاربوا وسددوا فكل ما يصيب المؤمن كفارة، حتى الشوكة تشاكه، والنكبة تنكبه" وقال الضحاك: السوء الكفر، وقال مجاهد: قالت قريش: لن نبعث، ولن نعذب، فنزلت { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيّكُمْ } أي أماني كفار قريش، ولا أماني أهل الكتاب، { مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } أي يعاقب عليه. ثم قال تعالى: { وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً } يعني الكافر، لا يجد لنفسه { مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي من عذاب الله ولياً يمنعه { وَلاَ نَصِيراً } ينفعه ويمنعه من العذاب. ثم قال تعالى: { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتَ } يعني يؤدي الفرائض، وينتهي عن المحارم { مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ } أي من رجل أو امرأة { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } أي مصدق بالثواب والعقاب { فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ } لا شك فيها { وَلاَ يُظْلَمُونَ } أي لا ينقصون من ثواب أعمالهم { نَقِيراً } وهي النقرة التي تكون على ظهر النواة. قرأ أبو عمرو، وابن كثير: { فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ } بضم الياء، ونصب الخاء على معنى فعل ما لم يسم فاعله، وقرأ الباقون بنصب الياء وضم الخاء، أي يدخلون الجنة بأعمالهم ثم فضل دين الإسلام على سائر الأديان.