خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَانَاتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً
٥٨
يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً
٥٩
-النساء

بحر العلوم

قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَـٰنَـٰتِ إِلَى أَهْلِهَا } وذلك أن مفتاح الكعبة كان في يد بني شيبة، وكانت السقاية في يد بني هاشم، فلما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة، دعا عثمان بن طلحة، وقال له: هات المفتاح فخشي عثمان أن يعطيه إلى عمه العباس، فجاء بالمفتاح وقال لرسول الله [- صلى الله عليه وسلم - حين دفع إليه]، خذه بأمانة الله، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيت، فإذا فيه تمثال إبراهيم - عليه السلام - مصور على الحائط وبيده قداح، وعنده إسماعيل والكبش مصوران فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "قاتل الله الكفار ما لإبراهيم والقداح" ، فأمر بالصور فمحيت، فقضى حاجته من البيت ثم خرج، فطلب منه العباس بأن يدفع إليه المفتاح فنزلت هذه الآية: { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَـٰنَـٰتِ إِلَى أَهْلِهَا } ثم صارت الآية عامة لجميع الناس، برد الأمانات إلى أهلها، ويقال: نزلت في شأن اليهود حيث كتموا نعت محمد - صلى الله عليه وسلم - وكانت أمانة عندهم فمنعوها. ويقال: هذا أمر لجميع المسلمين: بأداء الفرائض، وجميع الطاعات لأنها أمانة عندهم، كقوله تعالى: { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ... } إِلَى قَوْلُهُ: { وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَـٰنُ } ثم قال تعالى: { وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ } يقول: بالحق. وقال الضحاك: { وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ } أي بين القوم { أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ } أي بالبينة على المدعي واليمين على المدعى عليه. { إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ } يعني يأمركم بالعدل والنصيحة، والاستقامة، وأداء الأمانة { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعاً } بمقالة العباس، { بَصِيراً } برد المفتاح إلى أهله. قرأ ابن عامر والكسائي وحمزة: (نعما) بنصب النون، وكسر العين، والاختلاف فيه كالاختلاف الذي في سورة البقرة، وذلك قوله تعالى: { إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَـٰتِ فَنِعِمَّا هِيَ } وقوله تعالى: { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ } أي في الفرائض { وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } أي في السنن، ويقال: أطيعوا الله فيما فرض، وأطيعوا الرسول فيما بين، ويقال: { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ } يقول: لا إله إلا الله، وأطيعوا الرسول، يقول: محمد رسول الله. { وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ }. يعني أطيعوا أولي الأمر منكم. قال الكلبي ومقاتل: يعني أمراء السرايا. وقال الضحاك: يعني الفقهاء والعلماء في الدين. ويقال: الخلفاء والأمراء، ويجب طاعتهم ما لم يأمروا بالمعصية قوله: { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ } من الحلال والحرام والشرائع، { فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ } يعني إلى أمر الله فيما يأمر بالوحي، وإلى أمر الرسول فيما يخبر عن الوحي، ثم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - لما انقطع الوحي يرد إلى كتاب الله تعالى، وإلى سنة رسوله - عليه الصلاة والسلام - ويقال [معناه] إذا أشكل عليكم شيء فقولوا الله ورسوله أعلم وهذا كما قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل. وقال الخليل بن أحمد البصري: الناس أربعة: رجل لا يدري، ولا يدري أنه لا يدري، فهذا أحمق فاجتنبوه، ورجل لا يدري، ويدري أنه لا يدري، فهذا جاهل فعلموه، ورجل يدري ولا يدري أنه يدري فهذا نائم فأيقظوه، ورجل يدري، وهو يدري أنه يدري، فهذا عالم فاتبعوه. ثم قال تعالى: { إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } يعني إن كنتم تصدقون بالله واليوم الآخر، ثم قال: { ذٰلِكَ خَيْرٌ } أي الرد إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله، خير من الإختلاف { وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } أي وأحسن عاقبة. وروي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال: حق على الإمام أن يحكم بالعدل، ويؤدي الأمانة [إلى أهلها] فإذا فعل ذلك وجب على المسلمين أن يطيعوه فإن الله تعالى أمرنا بأداء الأمانة والعدل، ثم أمرنا بطاعتهم. وقال مجاهد: { وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ } العلماء والفقهاء، وهكذا روي عن جابر.