خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ
٣٠
نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِيۤ أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ
٣١
نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ
٣٢
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ
٣٣
وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ
٣٤
وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ
٣٥
وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٣٦
-فصلت

بحر العلوم

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ } يعني: قالوا ربنا الله فعرفوه، واستقاموا على المعرفة، وقال القتبي: يعني آمنوا ثم استقاموا على طاعة الله، وقال ابن عباس في رواية الكلبي: ثم استقاموا على ما افترض الله عليهم، وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية ثم قال: أتدرون ما استقاموا عليه؟ فقالوا ما هو يا خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: استقاموا ولم يشركوا، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ثم استقاموا ولم يروغوا روغان الثعلب على طاعة الله، فقال ابن عباس في رواية القتبي ثم استقاموا، وعن أبي العالية أنه قال ثم استقاموا أي أخلصوا له الدين والعمل، ويقال: وحدوا الله تعالى واستقاموا على طاعته، ولزموا سنة نبيه، وقال بعض المتأخرين: معناه ثم استقاموا أفعالاً كما استقاموا أقوالاً، وقد قيل أيضاً { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ } يعني: يقولون الله مانعنا ومعطينا، وضارنا ونافعنا { ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ } على ذلك القول، ولا يرون النفع ولا يرجون من أحد دون الله تعالى، ولا يخافون أحداً دون الله، فذكر أعمالهم، ثم ذكر ثوابهم فقال { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ } قال الكلبي يعني: تتنزل عليهم الملائكة عند قبض أرواحهم ويبشرونهم ويقولون { أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ } يعني: لا تخافوا ما أمامكم من العذاب، ولا تحزنوا على ما خلفكم من الدنيا، وقال مقاتل: تتنزل عليهم الملائكة يعني: تتنزل عليهم الحفظة من السماء يوم القيامة فتقول له أتعرفني؟ فيقول لا. فيقول: أنا الذي كنت أكتب عملك، وبشره بالجنة فذلك قوله: { وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ } في الدنيا، وقال زيد بن أسلم البشرى في ثلاث مواطن: عند الموت، وفي القبر وفي البعث، وقال بعض المتأخرين: هذه البشرى للخائف الحزين لا للآمن المستبشر، يعني: الذي كان خائفاً في الدنيا ثم قال عز وجل: { نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِى ٱلْحَيَاةِ } يعني: تقول لهم الحفظة نحن كنا أولياءكم في الحياة الدنيا، ونحن أولياؤكم { وَفِى ٱلأَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِى أَنفُسُكُمْ } يعني: لكم في الجنة ما تحب وتتمنى قلوبكم { وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ } يعني: تسألون ثم قال: { نُزُلاً } أي رزقاً { مّنْ غَفُورٍ } للذنوب العظام { رَّحِيمٌ } بالمؤمنين، حكى الزجاج عن الأخفش "نُزُلاً" منصوباً من وجهين: أحدهما على المصدر فمعناه: أنزلناه نزلا، ويجوز أن يكون على الحال قوله تعالى: { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَـٰلِحاً } قال بعضهم الآية نزلت في شأن المؤذنين، يدعون الناس إلى الصلاة، { وَعَمِلَ صَـٰلِحَاً } يعني: صلى بين الأذان والإقامة ويقال: الأنبياء يدعون الخلق إلى توحيد الله تعالى، وعمل صالحاً: يعني: الطاعات، ويقال العلماء يعلمون الناس أمور دينهم، ويدعونهم إلى طريق الآخرة، وعمل صالحاً: يعني عملوا بالعلم، ويقال نزلت الآية: في الآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر يعني: يأمرون بالمعروف ويعملون به، ويصبرون على ما أصابهم، قوله: { وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } يعني: أكون على دين الإسلام، لأنه لا تقبل طاعة بغير دين الإسلام فقال عز وجل: { وَلاَ تَسْتَوِى ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيّئَةُ } قال الزجاج: لا زائدة مؤكدة، والمعنى لا تستوي الحسنة والسيئة، يعني: لا تَستَوي الطاعة والمعصية، ولا يستوي الكفر والإيمان، ويقال: لا يستوي البصير والأعمى، ويقال: لا يستوي الصبر والجزع، واحتمال الأذى والإساءة، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يؤذيه أبو جهل لعنة الله عليه، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكره رؤيته بُغْضاً له، فأمره الله تعالى بالعفو والصفح فقال: { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } يعني: ادفع بالكلمة الحسنة الكلمة القبيحة { فَإِذَا ٱلَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ } يعني: إذا فعلت ذلك يصير الذي بينك وبينه عداوة بمنزلة القرابة في النسب قوله تعالى: { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } يعني: الكلمة الحسنة، ودفع السيئة ما يعطاها إلا الذين صبروا على طاعة الله، وأداء الفرائض { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظّ عَظِيمٍ } يعني: ذو نصيب وافر في الآخرة، ويقال { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } يعني: بقول لا إلٰه إلا الله، السيئة: يعني الشرك، وما يلقاها إِلاَّ الذين صبروا: على كظم الغيظ ثم قال: { وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ } يعني: يصيبك { مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ نَزْغٌ } يعني: وسوسة على الإحتمال { فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } من شره، وامض على احتمالك، وقال مقاتل: { وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ } يعني: يفتتنك { مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ } أي فتنة، وقال الكلبي الذنب عند دفع السيئة، ويقال { يَنَزَغَنَّكَ } يعني: يغوينك { فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } يعني تعوذ بالله { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ } للإستعاذة { ٱلْعَلِيمُ } بقول الكفار وعقوبتهم.