قوله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ} يعني: قالوا ربنا الله فعرفوه، واستقاموا على المعرفة، وقال القتبي: يعني آمنوا ثم استقاموا على طاعة الله، وقال ابن عباس في رواية الكلبي: ثم استقاموا على ما افترض الله عليهم، وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية ثم قال: أتدرون ما استقاموا عليه؟ فقالوا ما هو يا خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: استقاموا ولم يشركوا، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ثم استقاموا ولم يروغوا روغان الثعلب على طاعة الله، فقال ابن عباس في رواية القتبي ثم استقاموا، وعن أبي العالية أنه قال ثم استقاموا أي أخلصوا له الدين والعمل، ويقال: وحدوا الله تعالى واستقاموا على طاعته، ولزموا سنة نبيه، وقال بعض المتأخرين: معناه ثم استقاموا أفعالاً كما استقاموا أقوالاً، وقد قيل أيضاً {إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ} يعني: يقولون الله مانعنا ومعطينا، وضارنا ونافعنا {ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ} على ذلك القول، ولا يرون النفع ولا يرجون من أحد دون الله تعالى، ولا يخافون أحداً دون الله، فذكر أعمالهم، ثم ذكر ثوابهم فقال {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ} قال الكلبي يعني: تتنزل عليهم الملائكة عند قبض أرواحهم ويبشرونهم ويقولون {أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ} يعني: لا تخافوا ما أمامكم من العذاب، ولا تحزنوا على ما خلفكم من الدنيا، وقال مقاتل: تتنزل عليهم الملائكة يعني: تتنزل عليهم الحفظة من السماء يوم القيامة فتقول له أتعرفني؟ فيقول لا. فيقول: أنا الذي كنت أكتب عملك، وبشره بالجنة فذلك قوله: {وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ} في الدنيا، وقال زيد بن أسلم البشرى في ثلاث مواطن: عند الموت، وفي القبر وفي البعث، وقال بعض المتأخرين: هذه البشرى للخائف الحزين لا للآمن المستبشر، يعني: الذي كان خائفاً في الدنيا ثم قال عز وجل: {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِى ٱلْحَيَاةِ} يعني: تقول لهم الحفظة نحن كنا أولياءكم في الحياة الدنيا، ونحن أولياؤكم {وَفِى ٱلأَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِى أَنفُسُكُمْ} يعني: لكم في الجنة ما تحب وتتمنى قلوبكم {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} يعني: تسألون ثم قال: {نُزُلاً} أي رزقاً {مّنْ غَفُورٍ} للذنوب العظام {رَّحِيمٌ} بالمؤمنين، حكى الزجاج عن الأخفش "نُزُلاً" منصوباً من وجهين: أحدهما على المصدر فمعناه: أنزلناه نزلا، ويجوز أن يكون على الحال قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَـٰلِحاً} قال بعضهم الآية نزلت في شأن المؤذنين، يدعون الناس إلى الصلاة، {وَعَمِلَ صَـٰلِحَاً} يعني: صلى بين الأذان والإقامة ويقال: الأنبياء يدعون الخلق إلى توحيد الله تعالى، وعمل صالحاً: يعني: الطاعات، ويقال العلماء يعلمون الناس أمور دينهم، ويدعونهم إلى طريق الآخرة، وعمل صالحاً: يعني عملوا بالعلم، ويقال نزلت الآية: في الآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر يعني: يأمرون بالمعروف ويعملون به، ويصبرون على ما أصابهم، قوله: {وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ} يعني: أكون على دين الإسلام، لأنه لا تقبل طاعة بغير دين الإسلام فقال عز وجل: {وَلاَ تَسْتَوِى ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيّئَةُ} قال الزجاج: لا زائدة مؤكدة، والمعنى لا تستوي الحسنة والسيئة، يعني: لا تَستَوي الطاعة والمعصية، ولا يستوي الكفر والإيمان، ويقال: لا يستوي البصير والأعمى، ويقال: لا يستوي الصبر والجزع، واحتمال الأذى والإساءة، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يؤذيه أبو جهل لعنة الله عليه، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكره رؤيته بُغْضاً له، فأمره الله تعالى بالعفو والصفح فقال: {ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ} يعني: ادفع بالكلمة الحسنة الكلمة القبيحة {فَإِذَا ٱلَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ} يعني: إذا فعلت ذلك يصير الذي بينك وبينه عداوة بمنزلة القرابة في النسب قوله تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ} يعني: الكلمة الحسنة، ودفع السيئة ما يعطاها إلا الذين صبروا على طاعة الله، وأداء الفرائض {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظّ عَظِيمٍ} يعني: ذو نصيب وافر في الآخرة، ويقال {ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ} يعني: بقول لا إلٰه إلا الله، السيئة: يعني الشرك، وما يلقاها إِلاَّ الذين صبروا: على كظم الغيظ ثم قال: {وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ} يعني: يصيبك {مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ نَزْغٌ} يعني: وسوسة على الإحتمال {فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ} من شره، وامض على احتمالك، وقال مقاتل: {وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ} يعني: يفتتنك {مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ} أي فتنة، وقال الكلبي الذنب عند دفع السيئة، ويقال {يَنَزَغَنَّكَ} يعني: يغوينك {فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ} يعني تعوذ بالله {إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ} للإستعاذة {ٱلْعَلِيمُ} بقول الكفار وعقوبتهم.