خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ
٥١
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ
٥٢
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
٥٣
أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ
٥٤
-فصلت

بحر العلوم

قوله تعالى: { وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإنْسَـٰنِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ } يعني: أعرض الكافر فلا يدعو ربه، وقال الكلبي أعرض عن الإيمان { وَنَأَى بِجَانِبِهِ } يعني: تباعد بجانبه عن الدعاء، وعن الإيمان { وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ } يعني: أصابته الشدة { فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ } قال مقاتل والكلبي يعني كثيراً، ويقال يعني طويلاً، فإن قيل قد قال في موضع { وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَيَؤوسٌ قَنُوطٌ } وقال في موضع آخر { فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ } مرة ذكر أنه يَؤُوس ومرة أُخرى ذكر أنه يدعو فكيف هذا؟ قيل له: هذا في شأن رجل، وهذا في شأن رجل آخر، ويجوز أن يكون في شأن إنسان واحد { وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَيَؤوسٌ قَنُوطٌ } عن كل معبود دون الله فيدعو الله دائماً، فقال عز وجل: { قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } يعني: إن كان هذا الكتاب من عند الله { ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ } يعني: جحدتم أنه ليس من عند الله ماذا تقولون؟ وماذا تجيبون؟ وماذا تحتالون إذا نزل بكم العذاب يوم القيامة؟ { مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِى شِقَاقٍ بَعِيدٍ } أي: في خلاف طويل بعيد عن الحق قوله تعالى: { سَنُرِيهِمْ ءايَـٰتِنَا فِى ٱلآفَاقِ } يعني: عذابنا في البلاد، مثل هلاك عاد وثمود وقوم لوط وهم يرون إذا سافروا آثارهم وديارهم { وَفِى أَنفُسِهِمْ } يبتلون بأنفسهم من البلايا، ويقال: من قتل أصحابهم الكفار في الحرب { حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } يعني: إن الذي قلت هو الحق فيصدقونك وقال مجاهد { سَنُرِيهِمْ ءايَـٰتِنَا فِى ٱلآفَاقِ } يعني: ما يفتح الله عليهم من القرى { وَفِى أَنفُسِهِمْ } قال فتح مكة، وقال الضحاك معناه: أن أبا جهل، قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - ائتنا بعلامة فانشق القمر نصفين، فقال أبو جهل للنبي - صلى الله عليه وسلم - إن كان القمر قد انشق فهي آية، ثم قال يا معشر قريش إن محمداً قد سحر القمر، فوجهوا رسلكم إلى الآفاق هل عاينوا القمر إنْ كان كذلك فهي آية، وإلا فذلك سحر، فوجهوا فإذا أهل الآفاق يتحدثون بانشقاقه فقال أبو جهل عليه اللعنة: (هَذَا سِحْرٌ مُسْتَمِر) يعني: ذاهباً في الدنيا، فنزل { سَنُرِيهِمْ ءايَـٰتِنَا فِى ٱلآفَاقِ وفِى أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } وقال بعض المتأخرين سنريهم أياتنا في الآفاق ما وضع في العالم من الدلائل، وفي أنفسهم: ما وضع فيها من الدلائل التي تدل على وحدانية الله تعالى، وأن محمداً - صلى الله عليه وسلم - رسول صادق ينطق بالوحي فيما يقول، وهذا كما قال: { { وَفِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } [الذاريات: 20، 21] قوله تعالى: { أَوَ لَم يَكْفِ بِرَبّكَ } شاهداً أن القرآن من الله تعالى: { أَنَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء شَهِيدٌ } أي: عالم بأعمالهم، بالبعث وغيره، وقال الكلبي { أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبّكَ } يعني: أنه قد أخبرهم بذلك وَإن لم يسافروا ويقال: { أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبّكَ } ومعنى: الكفاية هٰهنا: أنه قد بين لهم ما فيه كفاية بالدلالة على توحيده وتثبيت رسله ثم قال: { أَلاَ إِنَّهُمْ فِى مِرْيَةٍ مّن لّقَاء رَبّهِمْ } ألا: كلمة تنبيه يعني: اعلم أنهم في شك من البعث { أَلاَ إِنَّهُ بِكُلّ شَىْء مُّحِيطُ } يعني: ألا إن الله تعالى عالم بأعمالهم وعقوبتهم، والإحاطة: إدراك الشيء بكماله، يعني: أحاط علمه سبحانه وتعالى بكل شيء من البعث وغيره، والحمد لله وحده وصلى الله على من لا نبي بعده وآله وسلم.