خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ
٢١
وَخَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
٢٢
أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ
٢٣
-الجاثية

بحر العلوم

{ أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَـٰتِ } يعني اكتسبوا السيئات، وذلك أنهم كانوا يقولون إنا نعطى في الآخرة من الخير ما لم تعطوا، قال الله تعالى { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَـٰتِ } يعني أيظن الذين عملوا الشرك وهو عتبة وشيبة والوليد وغيرهم { أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } يعني علياً وحمزة وعيينة بن الحارث رضي الله عنهم { سَوَاء مَّحْيَـٰهُمْ وَمَمَـٰتُهُمْ } يعني يكونون سواء في نعم الآخرة، قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص (سَوَاءً) بالنصب، والباقون بالضم، فمن قرأ بالنصب فمعناه أحسبوا أن نجعلهم سواء، أي مستوياً، فيجعل (أَن نَّجْعَلَهُمْ) متعدياً إلى مفعولين، ومن قرأ بالضم: جعل تمام الكلام عند قوله (وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ) ثم ابتدأ فقال { سَوَاء مَّحْيَـٰهُمْ وَمَمَـٰتُهُمْ } خبر الابتداء، وقال مجاهد { سَوَاء مَّحْيَـٰهُمْ وَمَمَـٰتُهُمْ } قال: المؤمنون في الدنيا والآخرة مؤمن يكون على إيمانه، يموت على إيمانه ويبعث على إيمانه، والكافر في الدنيا والآخرة كافر يموت على الكفر ويبعث على الكفر، وروى أبو الزبير عن جابر قال: "يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ المُؤمِنُ عَلَى إيمانِه والمُنَافِقُ عَلَى نِفَاقِه" ثم قال: { سَاء مَا يَحْكُمُونَ } أي بئس ما يقضون الخير لأنفسهم حين يرون أن لهم ما في الآخرة ما للمؤمنين قوله عز وجل { وَخَلَقَ ٱللَّه ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } وقد ذكرناه { وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } يعني ما عملت { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } يعني لا ينقصون من ثواب أعمالهم، ولا يُزادون على سيئاتهم قوله تعالى: { أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } قال يعمل بهواه، ولا يهوى شيئاً إلا ركبه، ولا يخاف الله { وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ } يعني علم منه أنه ليس من أهل الهدى { وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ } يعني خذله الله فلم يسمع الهدى، وقلبه: يعني ختم على قلبه فلا يرغب في الحق { وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَـٰوَةً } يعني غطاء كي لا يعتبر في دلائل الله تعالى، قرأ حمزة والكسائي (غَشَوة) بنصب الغين بغير ألف، والباقون (غِشَاوَةً)، كما اختلفوا في سورة البقرة، ومعناهما واحد { فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ } يعني من بعد ما أضله الله { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } أن من لا يقبل إلى دين الله، ولا يرغب في طاعته لا يكرمه بالهدى والتوحيد.