قوله تعالى: { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ } يعني: وكم من قرية فيما مضى، يعني: أهل قرية { هِىَ أَشَدُّ قُوَّةً } يعني: أشد منعة وأكثر عدداً، وأكثر أموالاً. { مّن قَرْيَتِكَ ٱلَّتِى أَخْرَجَتْكَ } يعني: أهل مكة الذين أخرجوك من مكة إلى المدينة { أَهْلَكْنَـٰهُمْ } يعني: عذبناهم عند التكذيب { فَلاَ نَـٰصِرَ لَهُمْ } يعني: لم يكن لهم مانع مما نزل بهم من العذاب، وهذا تخويف لأهل مكة قوله تعالى: { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيّنَةٍ مّن رَّبِّهِ كَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ } قال مقاتل والكلبي يعني محمداً - صلى الله عليه وسلم -، وأبا جهل بن هشام، يعني لا يكون حال من كان على بيان من الله تعالى كمن حسن له قبح عمله { وَٱتَّبَعُواْ أَهْوَاءهُمْ } بعبادة الأوثان، ويقال هذا في جميع المسلمين، وجميع الكافرين، لا يكون حال الكفار مثل حال المؤمنين في الثواب قوله تعالى { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ } يعني: صفة الجنة { ٱلَّتِى وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ } الذين يتقون الشرك والفواحش { فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ ءاسِنٍ } قرأ ابن كثير { مّن مَّاء غَيْرِ ءاسِنٍ } بغير مد، والباقون بالمد، ومعناهما واحد، يعني ماء غير منتن ولا متغير الطعم والريح { وَأَنْهَارٌ مّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ } إلى الحموضة كما يتغير لبن أهل الدنيا من الحالة الأولى { وَأَنْهَـٰرٌ مّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لّلشَّـٰرِبِينَ } يعني: لذيذة، ويقال
{ { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ } [الواقعة: 19] { وَأَنْهَـٰرٌ مّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى } ليس فيها العكر ولا الكدرة، ولا الدردي كعسل أهل الدنيا، قال مقاتل: هذه الأنهار الأربعة تتفجر من الكوثر إلى أهل الجنة، ويقال من تحت شجرة طوبى إلى أهل الجنة { وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلّ ٱلثَّمَرٰتِ } يعني: من ألوان الثمرات { وَمَغْفِرَةٌ مّن رَّبّهِمْ } لذنوبهم في الآخرة، ويقال في الدنيا { كَمَنْ هُوَ خَـٰلِدٌ فِى ٱلنَّارِ } يعني: هل يكون حال من هو في هذه النعم كمن هو في النار أبداً { وَسُقُواْ مَاء حَمِيماً } أي: حاراً قد انتهى حره { فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ } من شدة الحر فذابت أمعاؤهم، كقوله تعالى: { { يُصْهَرُ بِهِ مَا فِى بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ } [الحج: 20] ثم قال: { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ } يعني: من المنافقين من يستمع إليك { حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ ءانِفاً } وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس يوم الجمعة، وعاب في خطبته المنافقين، فلما خرجوا من عنده، قال بعض المنافقين لعبد الله بن مسعود وهو الذي أوتي العلم: ماذا قال آنفاً؟ يعني الساعة على جهة الاستهزاء، قال الله تعالى: { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } مجازاة لهم { وَٱتَّبَعُواْ أَهْوَاءهُمْ } يعني: عملوا بهوى أنفسهم، ثم ذكر المؤمنين المصدقين فقال: { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى } يعني: آمنوا بالله تعالى، وأحسنوا الاستماع إلى ما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - { زَادَهُمْ هُدىً } يعني: زادهم الله بصيرة في دينهم، وتصديقاً لنبيهم، ويقال: زادهم بما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هدى، ويقال زادهم قول المنافقين، واستهزاؤهم { هُدىً } يعني: تصديقاً وثباتاً على الإسلام، وشكر الله تعالى { وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ } حين بين لهم التقوى، ويقال ألهمهم قبول الناسخ وترك المنسوخ. قوله تعالى: { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ } أي: ما ينتظر قومك إلا قيام الساعة، يعني: فما ينتظر قومك إن لم يؤمنوا إلا الساعة { أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً } يعني: فجأة { فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا } يعني: علاماتها وهو: انشقاق القمر والدخان وخروج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وروى مكحول عن حذيفة قال سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
" متى الساعة، فقال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ولكن لها أشراط، تقارب الأسواق يعني: كسادها، ومطر ولا نبات يعني: مطر في غير حينه، وتفشو الفتنة، وتظهر أولاد البغية، ويعظم رب المال، وتعلو أصوات الفسقة في المساجد، ويظهر أهل المنكر على أهل الحق" ثم قال: { فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ } يعني: من أين لهم التوبة إذا جاءتهم الساعة، وقال قتادة: فأنى لهم أن يتذكروا أو يتذاكروا إذا جاءتهم الساعة، وقال مقاتل: فيه تقديم: يعني: أنى لهم التذكرة والتوبة عند الساعة إذا جاءتهم، وقد فرطوا فيها.