خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ
١٣
أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَاءَهُمْ
١٤
مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ
١٥
وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ
١٦
وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ
١٧
فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَٰهُمْ
١٨
-محمد

بحر العلوم

قوله تعالى: { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ } يعني: وكم من قرية فيما مضى، يعني: أهل قرية { هِىَ أَشَدُّ قُوَّةً } يعني: أشد منعة وأكثر عدداً، وأكثر أموالاً. { مّن قَرْيَتِكَ ٱلَّتِى أَخْرَجَتْكَ } يعني: أهل مكة الذين أخرجوك من مكة إلى المدينة { أَهْلَكْنَـٰهُمْ } يعني: عذبناهم عند التكذيب { فَلاَ نَـٰصِرَ لَهُمْ } يعني: لم يكن لهم مانع مما نزل بهم من العذاب، وهذا تخويف لأهل مكة قوله تعالى: { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيّنَةٍ مّن رَّبِّهِ كَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ } قال مقاتل والكلبي يعني محمداً - صلى الله عليه وسلم -، وأبا جهل بن هشام، يعني لا يكون حال من كان على بيان من الله تعالى كمن حسن له قبح عمله { وَٱتَّبَعُواْ أَهْوَاءهُمْ } بعبادة الأوثان، ويقال هذا في جميع المسلمين، وجميع الكافرين، لا يكون حال الكفار مثل حال المؤمنين في الثواب قوله تعالى { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ } يعني: صفة الجنة { ٱلَّتِى وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ } الذين يتقون الشرك والفواحش { فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ ءاسِنٍ } قرأ ابن كثير { مّن مَّاء غَيْرِ ءاسِنٍ } بغير مد، والباقون بالمد، ومعناهما واحد، يعني ماء غير منتن ولا متغير الطعم والريح { وَأَنْهَارٌ مّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ } إلى الحموضة كما يتغير لبن أهل الدنيا من الحالة الأولى { وَأَنْهَـٰرٌ مّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لّلشَّـٰرِبِينَ } يعني: لذيذة، ويقال { { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ } [الواقعة: 19] { وَأَنْهَـٰرٌ مّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى } ليس فيها العكر ولا الكدرة، ولا الدردي كعسل أهل الدنيا، قال مقاتل: هذه الأنهار الأربعة تتفجر من الكوثر إلى أهل الجنة، ويقال من تحت شجرة طوبى إلى أهل الجنة { وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلّ ٱلثَّمَرٰتِ } يعني: من ألوان الثمرات { وَمَغْفِرَةٌ مّن رَّبّهِمْ } لذنوبهم في الآخرة، ويقال في الدنيا { كَمَنْ هُوَ خَـٰلِدٌ فِى ٱلنَّارِ } يعني: هل يكون حال من هو في هذه النعم كمن هو في النار أبداً { وَسُقُواْ مَاء حَمِيماً } أي: حاراً قد انتهى حره { فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ } من شدة الحر فذابت أمعاؤهم، كقوله تعالى: { { يُصْهَرُ بِهِ مَا فِى بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ } [الحج: 20] ثم قال: { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ } يعني: من المنافقين من يستمع إليك { حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ ءانِفاً } وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس يوم الجمعة، وعاب في خطبته المنافقين، فلما خرجوا من عنده، قال بعض المنافقين لعبد الله بن مسعود وهو الذي أوتي العلم: ماذا قال آنفاً؟ يعني الساعة على جهة الاستهزاء، قال الله تعالى: { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } مجازاة لهم { وَٱتَّبَعُواْ أَهْوَاءهُمْ } يعني: عملوا بهوى أنفسهم، ثم ذكر المؤمنين المصدقين فقال: { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى } يعني: آمنوا بالله تعالى، وأحسنوا الاستماع إلى ما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - { زَادَهُمْ هُدىً } يعني: زادهم الله بصيرة في دينهم، وتصديقاً لنبيهم، ويقال: زادهم بما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هدى، ويقال زادهم قول المنافقين، واستهزاؤهم { هُدىً } يعني: تصديقاً وثباتاً على الإسلام، وشكر الله تعالى { وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ } حين بين لهم التقوى، ويقال ألهمهم قبول الناسخ وترك المنسوخ.

قوله تعالى: { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ } أي: ما ينتظر قومك إلا قيام الساعة، يعني: فما ينتظر قومك إن لم يؤمنوا إلا الساعة { أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً } يعني: فجأة { فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا } يعني: علاماتها وهو: انشقاق القمر والدخان وخروج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وروى مكحول عن حذيفة قال سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " متى الساعة، فقال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ولكن لها أشراط، تقارب الأسواق يعني: كسادها، ومطر ولا نبات يعني: مطر في غير حينه، وتفشو الفتنة، وتظهر أولاد البغية، ويعظم رب المال، وتعلو أصوات الفسقة في المساجد، ويظهر أهل المنكر على أهل الحق" ثم قال: { فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ } يعني: من أين لهم التوبة إذا جاءتهم الساعة، وقال قتادة: فأنى لهم أن يتذكروا أو يتذاكروا إذا جاءتهم الساعة، وقال مقاتل: فيه تقديم: يعني: أنى لهم التذكرة والتوبة عند الساعة إذا جاءتهم، وقد فرطوا فيها.