خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

سَيَقُولُ ٱلْمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ ٱللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمْ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً
١٥
قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُواْ يُؤْتِكُمُ ٱللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِن تَتَوَلَّوْاْ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً
١٦
لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً
١٧
لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً
١٨
وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَان ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً
١٩
وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ ٱلنَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً
٢٠
-الفتح

بحر العلوم

قال عز وجل: { سَيَقُولُ ٱلْمُخَلَّفُونَ } يعني الذين تخلفوا عن الحديبية { إِذَا ٱنطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا } يعني إلى غنائم خيبر { ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ } يعني اتركونا نتبعكم في ذلك الغزو { يُرِيدُونَ أَن يُبَدّلُواْ كَلَـٰمَ ٱللَّهِ } يعني يغيروا كلام الله، يعني ما قال الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - لا تأذن لهم في غزاة أخرى، قرأ حمزة والكسائي (كَلِمَ اللَّهِ) وهو جمع بكلمة، والباقون (كَلاَمَ ٱللَّهِ) والكلام: اسم لكل ما يتكلم به { قُل لَّن تَتَّبِعُونَا } في المسير إلى خيبر إلاَّ متطوعين من غير أن يكون لكم شرك في الغنيمة { كَذَلِكُمْ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبْلُ } يعني من قبل الحديبية { فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا } يعني يقولون للمؤمنين إن الله لم ينهكم عن ذلك بل تحسدوننا على ما نصيب معكم من الغنائم، قال الله تعالى { بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } أي لا يعقلون ولا يرغبون في ترك النفاق لا قليلاً ولا كثيراً، ويقال بل كانوا لا يفقهون النهي من الله تعالى إلا قليلاً منهم قوله عز وجل { قُل لّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ } يعني الذين تخلفوا عن الحديبية مخافة القتال { سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ } يعني قتال شديد، قال بعضهم: يعني قتال أهل اليمامة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم، قاتلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وقال مجاهد: (إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ) يعني أهل الأوثان، وقال أيضاً هم أهل فارس وكذا قال عطاء، وقال سعيد بن جبير: هوازن وثقيف، وقال الحسن: فارس والروم { تُقَـٰتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ } قرأ بعضهم (أَوْ يُسْلِمُوا) بألف من غير نون، وقراءة العامة بالنون، فمن قرأ (أَوْ يُسْلِمُوا) يعني حتى يسلموا أو إلى أن يسلموا، ومن قرأ بالنون فمعناه: تقاتلونهم أو هم يسلمون { فَإِن تُطِيعُواْ } يعني تجيبوا وتوقعوا القتال، وتخلصوا لله تعالى { يُؤْتِكُمُ ٱللَّهُ أَجْراً حَسَناً } يعني ثواباً حسناً في الآخرة { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مّن قَبْلُ } يعني تعرضوا عن الإجابة كما أعرضتم يوم الحديبية { يُعَذّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً } يعني شديداً دائماً، فلما نزلت هذه الآية قال أهل الزمانة والضعفاء فكيف بنا إذا دعينا إلى قتالتهم ولا نستطيع الخروج، فيعذبنا الله؟ فنزل قوله: { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ } وهذا قول الكلبي، وقال مقاتل: نزل العذر في الذين تخلفوا عن الحديبية { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ } يعني ليس عليهم إثم في التخلف { وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ } يعني إثم { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } في الغزو، ويقال: ومن يطع الله ورسوله في الغزو في السر والعلانية { يُدْخِلْهُ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } وقد ذكرناه { وَمَن يَتَوَلَّ } يعني يعرض عن ذلك، يعني عن طاعة الله ورسوله بالتخلف { يُعَذّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً } يعني شديداً دائماً، قرأ نافع وابن عامر (نُدْخِلْهُ وَنُعَذِّبْهُ) كلاهما بالنون، والباقون كلاهما بالياء، وكلاهما يرجع إلى معنى واحد قوله تعالى { لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ } يعني شجرة السمرة، ويقال: أم غيلان، قال قتادة: بايعوهُ يومئذ وهم ألف وأربعمائة رجل، وكان عثمان يومئذٍ بمكة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "إن عثمان في حاجة الله، وحاجة رسوله، وحاجة المؤمنين، ثم وضع إحدى يديه على الأخرى وقال: هذه بيعة عثمان" { فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ } أي ما في قلوبهم من الصدق والوفاء وهذا قول ابن عباس، وقال مقاتل: فعلم ما في قلوبهم من الكراهية للبيعة على أن يقاتلوا ولا يفروا { فَأنزَلَ } الله { ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ } يعني أنزل الله تعالى الطمأنينة والرضى عليهم { وَأَثَـٰبَهُمْ } يعني أعطاهم { فَتْحاً قَرِيباً } يعني فتح خيبر { وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا } يعني يغنمونها { وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } حكم عليهم بالقتل والسبي، ويقال حكم الغنيمة للمؤمنين، والهزيمة للكافرين ثم قال { وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا } يعني تغنمونها، وهو ما أصابوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم، وبعده إلى يوم القيامة، وقال ابن عباس: هي هذه الفتوح التي تفتح لكم { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ } يعني فتح خيبر، قرأ بعضهم (وَأَتَاهُمْ) أي أعطاهم، وقراءة العامة (وأثابهم) يعني كافأهم قوله تعالى { وَكَفَّ أَيْدِىَ ٱلنَّاسِ عَنْكُمْ } يعني أيدي أهل مكة ويقال أسد وغطفان أرادوا أن يعينوا أهل خيبر فدفعهم الله عن المؤمنين، فصالحوا النبي - صلى الله عليه وسلم - على ألا يكونوا له ولا عليه ثم قال { وَلِتَكُونَ ءايَةً لّلْمُؤْمِنِينَ } يعني عبرة للمؤمنين، وهو فتح خيبر، لأن المسلمين كانوا ثمانية آلاف، وأهل خيبر كانوا سبعين ألفاً ثم قال { وَيَهْدِيَكُمْ صِرٰطاً مُّسْتَقِيماً } يعني يرشدكم ديناً قيماً وهو دين الإسلام.