خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءْيَا بِٱلْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً
٢٧
هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً
٢٨
مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً
٢٩
-الفتح

بحر العلوم

قوله عز وجل: { لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّؤْيَا بِٱلْحَقِّ } يعني: حقق الله تعالى رؤيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالوفاء والصدق، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى في المنام قبل الخروج إلى الحديبية أنهم يدخلون المسجد الحرام، فأخبر الناس بذلك فاستبشروا، فلما صدهم المشركون، قالت المنافقون في ذلك ما قالت، فنزل لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ يعني: يصدق رؤياه بالحق { لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ } يعني: ما أخبر أصحابه أنهم يدخلون المسجد الحرام في العام الثاني، ويقال: نزلت الآية بعد ما دخلوا في العام الثاني لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقّ لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ يعني: ما أخبر أصحابه أنهم يدخلون المسجد الحرام { إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ } يعني: لتدخلن إن شاء الله آمنين، يعني بإذن الله وأمره، ويقال هذا اللفظ حكاية الرؤيا، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين رأى في المنام، رأى كأن ملكاً ينادي وهو يقول لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله، فأنزل الله تعالى لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ وهو قول الملك { لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَاء ٱللَّهُ ءامِنِينَ } من العدو { مُحَلّقِينَ رُءوسَكُمْ وَمُقَصّرِينَ } يعني: منهم من يحلق ومنهم من يقصر { لاَ تَخَـٰفُونَ } العدو { فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ } قال مقاتل: فعلم أن يفتح عليهم خيبر قبل ذلك، فوعد لهم الفتح، ثم دخول مكة ففتحوا خيبر ثم رجعوا ثم دخلوا مكة وأتوا عمرة القضاء، وقال الكلبي في قوله: { فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ } يعني: علم الله أنه سيكون في السنة الثانية، ولم تعلموا أنتم فلذلك وقع في أنْفسكم ما وقع { فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً } يعني: فتح خيبر ثم قال عز وجل: { هُوَ ٱلَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ } يعني: بالتوحيد شهادة أن لا إلٰه إلا الله { وَدِينِ ٱلْحَقِّ } وهو الإسلام { لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلّهِ } يعني: على الأديان كلها قبل أن تقوم الساعة فلا يبقى أهل دين إلا دخلوا في الإسلام { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } بأن محمداً رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن لم يشهد كفار مكة، وذلك حين أراد أن يكتب محمد رسول الله، فقال سهيل بن عمرو: إنا لا نعرف بأنك رسول الله ولا نشهد، قال الله عز وجل: { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } وإن لم يشهد سهيل وأهل مكة، قال عز وجل: { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ } من المؤمنين { أَشِدَّاءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ } بالغلظة { رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } يعني: متوادّين فيما بينهم { تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً } يعني: يكثرون الصلاة { يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً } يعني: يلتمسون من الحلال، وقال بعضهم "وَٱلَّذِينَ مَعَهُ" يعني: أبا بكر { أَشِدَّاء عَلَى ٱلْكُفَّارِ } يعني: عمر { رُحَمَاء بَيْنَهُمْ } يعني: عثمان { تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً } يعني: عليّاً رضوان الله عليهم أجمعين { يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً } يعني: الزبير، وعبد الرحمن بن عوف { سِيمَـٰهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ } يعني: علاماتهم وهي الصفرة في وجوههم { مّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ } يعني: من السهر بالليل، ويقال يعرفون غُرّاً محجلين يوم القيامة من أثر الوضوء، وقال مجاهد: (سِيمَـٰهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ) قال: الخشوع والوقار، وقال منصور: قلت لمجاهد أهذا الذي يكون بين عيني الرجل؟ قال: إن ذلك قد يكون للرجل وهو أقسى قلباً من فرعون ثم قال: { ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِى ٱلتَّوْرَاةِ } يعني: هذا الذي ذكره من نعتهم وصفتهم في التوراة، ثم ذكر نعتهم في الإنجيل فقال: { وَمَثَلُهُمْ فِى ٱلإنجِيلِ } يعني: مثل محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه { كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: مثلهم في التوراة والإنجيل واحد، قال: { مَثَلُهُمْ فِى ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِى ٱلإنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } قرأ ابن كثير، وابن عامر شَطَأَهُ بنصب الشين والطاء والباقون بنصب الشين وجزم الطاء، ومعناهما واحد، وهو فراخ الزرع، وقال مجاهد: شطأه يعني: قوائمه قرأ ابن عامر (فَآزَرَهُ) بغير مد والباقون بالمدة ومعناهما واحد، يعني: قواه ومنه قوله عز وجل { { ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِى } [طه: 31] يعني: قوي به ظهري، ويقال { كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } يعني: سنبله فَآزَرَهُ يعني: أعانه وقواه { فَٱسْتَغْلَظَ } يعني: غلظ الزرع واستوى { فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ } وهو جماعة الساق { يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ } يعني: الزارع إذا نظر في زرعه بعدما استغلظ واستوى يعجبه ذلك، فكذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -، تبعه أبو بكر ثم تبعه عمر، ثم تبعه واحد بعد واحد من أصحابه، حتى كثروا ففرح النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك لكثرتهم { لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ } يعني: أهل مكة يكرهون ذلك لما رأوا من كثرة المسلمين وقوتهم، وروى خيثمة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقرئهم القرآن في المسجد، فأتى على هذه الآية: { كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } فقال: أنتم الزرع وقد دنا حصادكم، ويقال كَزَرْعٍ يعني: محمداً - صلى الله عليه وسلم { أَخْرَجَ شَطْأَهُ } يعني: أبا بكر { فَازَرَهُ } يعني: أعانه عمر على كفار مكة { فَٱسْتَغْلَظَ } يعني: تقوى بنفقة عثمان { فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ } يعني: قام على أمره علي بن أبي طالب يعينه وينصره على أعدائه { يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ } يعني: طلحة والزبير، وكان الكفار يكرهون إيمان طلحة والزبير لشدة قوتهما، وكثرة أموالهما { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ مِنْهُم } يعني: لهم، ويقال فيما بينهم وبين ربهم، ويقال: مِنْ: ها هنا لإبانة الجنس يعني: وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم، أي من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - { مَغْفِرَةٍ } لذنوبهم { وَأَجْراً عَظِيماً } يعني: ثواباً وافراً في الجنة (روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من قرأ سورة الفتح فكأنما شهد فتح مكة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - " والله سبحانه أعلم.