خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ
٩
إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
١٠
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلإَيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ
١١
-الحجرات

بحر العلوم

قوله عز وجل: { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا } وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى الأنصار ليكلمهم في أمر من الأمور، وهو على حماره فبال الحمار وهو راكب عليه يكلم الأنصار، فقال عبد الله بن أُبيّ المنافق: خل للناس سبيل الريح من نتن هذا الحمار، ثم قال أف وأمسك على أنفه، فشق على النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله، فانصرف عبد الله بن رواحة، فقال: اتقوا هذا، لحمار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والله لبوله أطيب ريحاً منك، فاقتتلا، فاجتمع قوم ابن رواحة وهم الأوس، وقوم عبد الله بن أبي وهم الخزرج، فكان بينهم ضرب النعال والأيدي والسعف، ورجع النبي - صلى الله عليه وسلم - فأصلح بينهم، فأنزل الله تعالى: { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا } بالعدل، فكره بعضهم الصلح فنزل قوله { فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ } يعني: استطالت فلم ترجع إلى الصُّلح { فَقَـٰتِلُواْ ٱلَّتِى تَبْغِى } يعني: تظلم { حَتَّىٰ تَفِىء إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ } يعني: ترجع إلى ما أمر الله عز وجل، وروى أسباط عن السدي قال: كانت امرأة من الأنصار يقال لها أم زيد، فأبغضت زوجها، وأرادت أن تلحق بأهلها وكان قد جعلها في غرفة له، وأمر أهله أن يحفظوها، وخرج إلى حاجة له، فأرسلت إلى أهلها، فجاء ناس من أهلها وأرادوا أن يذهبوا بها فاقتتلوا بالنعال والتلاطم، فنزل قوله تعالى: { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ } الآية ثم صارت الآية عامة في جميع المسلمين، إذا اقتتل فريقان من المسلمين وجب على المؤمنين الإصلاح بين الفريقين، فإن ظهر أن أحد الفريقين ظالم، فإنه يقاتل ذلك الفريق حتى يرجع إلى حكم الله ثم قال: { فَإِن فَاءتْ } يعني؛ رجعت إلى الصلح { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ } يعني: بالحق { وَأَقْسِطُواْ } يعني؛ اعدلوا بين الفريقين ولا تميلوا { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } يعني: العادلين ثم قال عز وجل: { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } يعني: كالأخوة في التعاون، لأنهم على دين واحد، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم - "المُؤْمِنَ للمُؤْمِن كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعضُهُ بَعْضاً" وَرُوي عنه أنه قال "المُؤْمِنُونَ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ إِذَا اشْتَكَى عُضْوٌ تَدَاعَى سَائِر الأَعْضَاءِ إِلَى الحُمَّى وَالسَّهَرِ" (ثم قال: { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ } يعني: الفريقين من المؤمنين مثل الأوس والخزرج فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) قرأ ابن سيرين إِخْوَانِكُم بالنون، وقرأ يعقوب الحضرمي بَيْنَ إِخْوَتِكُمْ بالتاء، يعني جمع الأخ، وقراءة العامة أَخَوَيْكُمْ بالياء على تثنية الأخ، يعني: بين كل أخوين ثم قال: { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } يعني اخشوا الله عز وجل ولا تعصوه لكي ترحموا فلا تعذبوا قوله عز وجل: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مّن قَوْمٍ } يعني: لا يستهزىء الرجل من أخيه، وقال بعضهم: الآية نزلت في ثابت بن قيس، حيث عير الذي لم يوسع له في المكان، وقال بعضهم: الآية نزلت في الذين ينادونه من وراء الحجرات، استهزؤوا من ضعفاء المسلمين: { عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مّنْهُمْ } يعني: أفضل منهم وأكرم على الله تعالى: { وَلاَ نِسَاء مّن نّسَاء } يعني: لا تستهزىء امرأة من امرأة، وذلك أن عائشة رضي الله عنها قالت إن أم سلمة جميلة لولا أنها قصيرة { عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مّنْهُنَّ } يعني أفضل، ثم صارت الآية عامة في الرجال والنساء، فلا يجوز أحد أن يسخر من صاحبه، أو من أحد من خلق الله تعالى، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: البلاء موكل بالقول لو سخرت من كلب خشيت أن أكون مثله ثم قال: { وَلاَ تَلْمِزُواْ أَنفُسَكُمْ } يعني: لا يطعن بعضكم بعضاً، وقال القتبي: ولا تغتابوا إخوانكم من المسلمين لأنهم كأنفسكم، كما قال { { ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً } [النور: 12] يعني بأمثالهم ثم قال { وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَـٰبِ } يعني: لا تسموا باللقب، وقال محمد بن كعب القرظي: هو الرجل يكون على دين من الأديان فيسلم فيدعونه بدينه الأول، يا يهودي ويا نصراني، ويقال: لا تعيروا المسلم بالملة التي كان عليها، ولا تسموه بغير دين الإسلام، وقال أهل اللغة: الألقاب والأنباز واحد، ومنه قيل في الحديث: "قوم نَبزُهم الرافضة" أي لقبهم { وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَـٰبِ } أي لا تداعوا بها، ويقال: هو اللقب الذي يكرهه الرجل، يعني أنه ينبغي للمؤمن أن يخاطب أخاه بأحب الأسماء إليه، وقرأ بعضهم "وَلاَ تَلْمِزُواْ" بضم الميم، وقراءة العامة بالكسر، وهما لغتان، يقال لمز فلان فلاناً يلمز ويلمزه إذا عابه، وذكر في التفسير أن الآية نزلت في مالك بن أبي مالك، وعبد الله بن أبي حدرد، وذلك أن أبا مالك كان على المقاسم، فقال لعبد الله بن أبي حدرد الأسلمي: يا أعرابي، فقال له عبد الله يا يهودي، فأمرهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يدخلا عليه حتى تظهر توبتهما، فنزل { بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلإِيمَانِ } يعني: بئس التسمية لإخوانكم بالكفر وهم مؤمنون { وَمَن لَّمْ يَتُبْ } من قوله { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ }. فأوثقا أنفسهما حتى قبلت توبتهما.