ثم قال عز وجل: { يَا أهْلَ الكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا } يعني محمد - صلى الله عليه وسلم - { يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ } يعني يكتمون ما بين في التوراة، وذلك أنهم كتموا آية الرجم، وتحريم الخمر، وأكل الربا، ونعت محمد - صلى الله عليه وسلم - { وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } يعني يتجاوز عن كثير، ولا يخبركم به وذكر أن رجلاً من أحبارهم جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله فقال: ما هذا الذي عفوت عنا؟ فأعرض عنه رسول الله - صلى الله عليه - صلى ولم يبين، وإنما أراد اليهودي أن يظهر مناقضة كلامه، أنه لم يترك شيئاً، وقد بينه كله فلما لم يبين له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قام من عنده وذهب وقال لأصحابه: أرى أنه صادق فيما يقول، لأنه كان وجد في كتابه، أنه لا يبين له ما سأله. ثم قال تعالى: { قَدْ جَاءكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ نُورٌ } يعني ضياء من الضلالة وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - والقرآن والنور هو الذي يبين الأشياء، ويرى الأبصار حقيقتها، فيسمى القرآن نوراً، لأنه يقع في القلوب مثل النور، لأنه إذا وقع في قلبه يبصر به، ثم قال: { وَكِتَـٰبٌ مُّبِينٌ } يعني القرآن يبين لكم الحق من الباطل. قوله تعالى: { يَهْدِي بِهِ ٱللَّهُ } يعني بالقرآن { مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَهُ } يعني مَنْ طلب الحق ورغب فيه، { سُبُلَ ٱلسَّلَـٰمِ } يعني دين الله الإسلام، والسبل، جماعة السبيل، وهو الطريق، يعني به طريق الهدى، والسلام اسم من أسماء الله تبارك وتعالى، يعني هو دين الله وتعالى. ثم قال: { وَيُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِهِ } يعني يخرج من قلوبهم حلاوة الكفر، ويدخل فيها حلاوة الإيمان ويوفقهم لذلك { وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } يعني يوفقهم إلى دين الإسلام قوله تعالى: { لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ } ثم قال الله تعالى لمحمد - صلى الله عليه وسلم -: { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } يقول: من يقدر أن يمنع من عذاب الله شيئاً { إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ، وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } يعني لو أراد الله أن يهلك عيسى وأمه وجميع الخلق، ولا يقدر عيسى على رد ذلك. فكيف يكون إلهاً وهو لا يقدر على دفع الهلاك عن نفسه، ثم قال: { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا } يعني خزائن السموات والأرض، وجميع الخلق عبيده وإماؤه، وحكمه نافذ فيهم، ثم قال: { يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } لأن نصارى أهل نجران كانوا يقولون: لو كان عيسى بشراً كان له أب، فأخبر الله تعالى على أنه قادر على أن يخلق خلقاً بغير أب. { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } من خلق عيسى وغيره.