خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ
٤٤
فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٤٥
-الأنعام

بحر العلوم

ثم قال: { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ } يعني: الأمم الخالية حين لم يعتبروا بالشدة، ولم يرجعوا: { فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ } من النعم والخصب. ويقال: إن الله تعالى يبتلي العوام بالشدة فإذا أنعم عليهم يكون استدراجاً، وأما الخواص فيبتليهم بالنعمة والرخاء، فيعرفون ويعدون ذلك بلاء، كما روي في الخبر: إن الله تعالى أوحى إلى موسى بن عمران (إذا رأيت الفقر مقبلاً إليك فقل: مرحبا بشعار الصالحين وإذا رأيت الغنى مقبلاً إليك، فقل: ذنب عجلت عقوبته). فهؤلاء الذين أرسل إليهم، ابتلاهم الله تعالى بالشدة فلم يعتبروا، ولم يرجعوا، فتح عليهم أبواب كل خير، عقوبة لهم لكي يعتبروا فيها. قال الفقيه: حدثنا الخليل بن أحمد، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد

قال: حدثنا أبو عتبة، قال: حدثنا محمد بن حمير، عن شهاب بن خراش عن حرملة، عن عقبة بن مسلم، عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إذا رأيت الله تعالى يعطي عبداً من الدنيا على معصية مما يحب، فإنما ذلك منه استدراج" . ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ } الآية. وقال الحسن: والله ما أحد من الناس بسط الله له في الدنيا، فلم يخف أن يكون قد مكر له فيها، إلا كان قد نقص عمله وعجز رأيه وما أمسكها الله تعالى عن عبد فلم يظن أنه قد خير له فيها، إلا كان قد نقص عمله، وعجز رأيه { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ } يعني تركوا ما وعظوا به { فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ } يعني أرسلنا عليهم كل خير ويقال: فتحنا عليهم أبواب كل شيء من الرزق. قرأ ابن عامر: (فتَّحنا) بالتشديد على معنى المبالغة، والباقون: بالتخفيف { حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ } من أنواع الخير، فأعجبهم ما هم فيه { أَخَذْنَـٰهُمْ بَغْتَةً } يعني أصبناهم بالعذاب فجأة { فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ } يعني آيسين من كل خير. وقال مجاهد: الإبلاس الفضيحة. وقال الفراء: المبلس: المنقطع بالحجة. وقال الزجاج: المبلس: الشديد الحسرة والآيس الحزين. وقال بعضهم في الآية تقديم وتأخير، ومعناه، فلما فتحنا عليهم أبواب كل شيء ونسوا ما ذكروا به أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون. ثم قال عز وجل: { فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } يعني قُطع أصلهم فلم يبق منهم أحد { وَٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } على هلاك أعدائه واستئصالهم. ويقال: الحمد لله الذي ينتقم من أعدائه ولا ينتقم منه أحد، ويقال: هذا تعليم ليحمدوه سبحانه على إهلاك الظالمين.