قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} يعني ما عظّموا الله حق عظمته وما عرفوه حق معرفته، نزلت في مالك بن الضيف خاصمه عمر في النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه مكتوب في التوراة فغضب وقال: {مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ} وكان رئيس اليهود فعزلته اليهود عن الرئاسة بهذه الكلمة. قال مقاتل: نزلت هذه الآية بالمدينة وسائر السور بمكة ويقال: إن هذه السورة كلها مكية
"وكان مالك بن الضيف خرج مع نفر إلى مكة معاندين ليسألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أشياء وقد كان اشتغل بالنعم وترك العبادة وسمن، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم بمكة فقال له رسول الله: أنشدك الله أتجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين؟ قال: نعم قال: فأنت الحبر السمين فقد سمنت من مأكلتك" فضحك به القوم فخجل مالك بن الضيف وقال: ما أنزل الله على بشر من شيء فبلغ ذلك اليهود فأنكروا عليه. فقال: إنه قد أغضبني فقالوا: كلما غضبت قلت بغير حق وتركت دينك؟ فأخذوا الرياسة منه وجعلوها إلى كعب بن الأشرف فنزلت هذه الآية: {وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} حيث جحدوا تنزيله {إِذْ قَالُواْ: مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مّن شَيْءٍ} يعني على رسول من كتاب {قُلْ} يا محمد {مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِي جَاء بِهِ مُوسَىٰ} وهو التوراة {نُوراً} يعني ضياء {وَهَدَىٰ} يعني بياناً {لِلنَّاسِ} من الضلالة {تَجْعَلُونَهُ قَرٰطِيسَ} يقول: تكتبونه في الصحف {تُبْدُونَهَا} يقول: تظهرونها في الصحف {وَتُخْفُونَ كَثِيراً} يعني تكتمون ما فيه صفة محمد - صلى الله عليه وسلم - ونعته وآية الرجم وتحريم الخمر. {وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ ءابَاؤُكُمْ} يعني علمتم أنتم وآباؤكم في التوراة ما لم تعلموا. ويقال: علمتم على لسان محمد - صلى الله عليه وسلم - ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم فإن أجابوك وإلا فـ {قُلِ: ٱللَّهُ} أنزله على موسى {ثُمَّ ذَرْهُمْ} إن لم يصدقوك {فِي خَوْضِهِمْ} يعني في باطلهم {يَلْعَبُونَ} يعني يلهون ويفترون. قرأ ابن كثير وأبو عمرو: (يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيراً) كل ذلك بالياء على لفظ المغايبة. وقرأ الباقون: بالتاء على معنى المخاطبة لأن ابتداء الكلام على المخاطبة. ثم قال: {وَهَـٰذَا كِتَـٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ} يعني القرآن أنزلناه على محمد - صلى الله عليه وسلم - {مُّبَارَكٌ} لمن عمل به لأن فيه مغفرة للذنوب. وقال الضحاك (مبارك) يعني القرآن لا يتلى على ذي عاهة إلا برىء ولا يتلى في بيت إلا وخرج منه الشيطان. {مُّصَدّقُ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} يعني هو مصدق الذي بين يديه من الكتب {وَلِيُنْذِرَ} قرأ عاصم في رواية أبي بكر (ولينذر) بالياء يعني الكتاب يعني أنزلناه للإنذار والبركة. وقرأ الباقون: بالتاء يعني لتنذر به يا محمد {أُمَّ ٱلْقُرَىٰ} يعني أهل مكة [وهي أصل القرى] وإنما سميت أم القرى لأن الأرض كلها دُحِيَتْ من تحت الكعبة. ويقال: لأنها مثلث قبلة للناس جميعاً أي: يؤمونها. ويقال: سميت أم القرى لأنها أعظم القرى شأناً ومنزلة {وَمَنْ حَوْلَهَا} يعني قرى الأرض كلها. ثم قال: {وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ} يعني بالبعث {يُؤْمِنُونَ بِهِ} أي بالقرآن ومن هم في علم الله أنه سيؤمن {وَهُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ} بوضوئها وركوعها وسجودها ومواقيتها.