خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ
٥٤
-الأعراف

بحر العلوم

قوله: { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما عير المشركين بعبادة آلهتهم ونزل قوله { لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ } [الحج: 73] وقوله: { كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتاً } [العنكبوت: 41] سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا من ربك الذي تدعونا إليه؟ وأرادوا أن يجحدوا في اسمه طعناً أو في شيء من أفعاله فنزلت هذه الآية. فتحيروا وعجزوا عن الجواب. فقالإن ربكم الله (أي خالقكم ورزاقكم) الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام. قال ابن عباس أي من أيام الآخرة. طول كل يوم ألف سنة. وقال الحسن البصري من أيام الدنيا. ويقال يعني في ست ساعات من ستة أيام من أطول أيام الدنيا ولو شاء أن يخلقها في ساعة واحدة لخلقها ولكن علَّم عباده التأني والرفق والتدبير في الأمور { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } قال بعضهم هذا من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله. وذكر عن يزيد بن هارون أنه سئل عن تأويله فقال تأويله الإيمان به وذكر أن رجلاً دخل على مالك بن أنس فسأله عن قوله { ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } [طه: 5] فقال: الاستواء غير مجهول والكيفية غير معقولة والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وما أراك إلا ضالاً. فأخرجوه. وذكر عن محمد بن جعفر نحو هذا. وقد تأوله بعضهم وقال "ثم" بمعنى الواو فيكون على معنى الجمع والعطف لا على معنى التراخي والترتيب. ومعنى قوله: استوى أي استولى، كما يقال فلان استوى على بلد كذا يعني استولى عليه فكذلك هذا. معناه خالق السماوات والأرض، ومالك العرش. ويقال ثم صعد أمره إلى العرش. وهذا معنى قول ابن عباس. قال صعد على العرش. يعني أمره، ويقال قال له كن فكان، ويقال { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } أي كان فوق العرش قبل أن يخلق السماوات والأرض ويكون على بمعنى العلو والارتفاع، ويقال استوى يعني استولى. وذكر أن أول شيء خلقه الله تعالى القلم ثم اللوح. فأمر القلم بأن يكتب في اللوح ما هو كائن إلى يوم القيامة. ثم خلق ما شاء. ثم خلق العرش ثم حملة العرش ثم خلق السماوات والأرض. وإنما خلق العرش لا لحاجة نفسه ولكن لأجل عباده ليعلموا أين يتوجهون في دعائهم لكي لا يتحيروا في دعائهم، كما خلق الكعبة علماً لعبادتهم ليعلموا إلى أين يتوجهون في العبادة. فكذلك خلق العرش علماً لدعائهم ليعلموا إلى أين يتوجهوا بدعائهم ثم قال تعالى: { يُغْشِي ٱلْلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ } يعني إن الليل يأتي على النهار فيغطيه ولم يقل يغشي النهار الليل لأن في الكلام دليلاً عليه. وقد بين في آية أخرى { { يُكَوِّرُ ٱلَّيْـلَ عَلَى ٱلنَّهَـارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّـهَارَ عَلَى ٱلَّيْلِ } [الزمر:5] فكذلك ها هنا، معناه يغشي النهار الليل ويغشي الليل النهار. يعني إذا جاء النهار يذهب بظلمة الليل وإذا جاء الليل يذهب بنور النهار.

قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر يُغْشِّي بتشديد الشين ونصب الغين. وقرأ الباقون بجزم الغين مع التخفيف، وهما لغتان غَشَّى ويُغَشِّي وأَغْشَى يُغْشِي بقوله { يَطْلُبُهُ حَثِيثًا } أي: سريعاً في طلبه أبداً ما دامت الدنيا باقية ثم قال { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرٰتٍ بِأَمْرِهِ } أي: جاريات مذللات لبني آدم بأمره.

قرأ ابن عامر والشَّمسُ والقمرُ والنجومُ كلها بالضم على معنى الابتداء وقرأ الباقون بالنصب. ومعناه خلق الشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره. ثم قال: { أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ } ألا كلمة التنبيه، يعني اعلموا أن الخلق لله تعالى وهو الذي خلق الأشياء كلها وأمره نافذ في خلقه. قال سفيان بن عيينة: الخلق هو الخلق والأمر هو القرآن وهو كلام الله وليس بمخلوق ولا هو بائن منه وتصديقه قوله { { ذَلِكَ أَمْرُ ٱللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ } [الطلاق:5] ويقال الأمر هو القضاء، ثم قال { تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } قال ابن عباس رضي الله عنهما يعني تعالى الله عما يقول الظالمون، ويقال تبارك الله تفاعل من البركة أي: ذو البركة يعني أن البركة كلها من الله تعالى والبركة فيما يذكر عليه اسم الله رب العالمين. أي: سيد الخلق أجمعين فلما وصف وبالغ في ذلك وأعجزهم فأمرهم بأن يدعوه.