خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ ذٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ
٣٠
ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ
٣١
-التوبة

بحر العلوم

{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ } قرأ عاصم والكسائي عزيرٌ بالتنوين وقرأ الباقون بغير تنوين. فمن قرأ بالتنوين لأن الابن خبر وليس بنسبة، ومن قرأ بغير التنوين فلالتقاء الساكنين. كما قرأ بعضهم { { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } [الإخلاص: 1- 2] بغير تنوين فلا اختلاف بين النحويين أن إثبات التنوين أجود من طريق أهل اللغة. وإنما قالت اليهود لأنه لما خرب بُخْتُنَصَّر بيت المقدس وأحرق التوراة حزنوا على ذهاب التوراة فأملاها عليهم عزير صلوات الله عليه عن ظهر قلبه فتعلموها وفي أنفسهم منها شيء مخافة أن يكون قد زاد فيها أو نقص منها شيئاً، فبينما هم كذلك إذ وقعوا على جراب مدفونة في قرية فيها التوراة، فعارضوا بها على ما كتبوا من عزير عليه السلام. فلم يزد شيئاً ولم ينقص حرفاً. فقالوا عند ذلك ما علم عزير هذا إلا وهو ابن الله. { وَقَالَتِ ٱلنَّصَـٰرَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ } وإنما قالوا ذلك لأن المسيح كان يبرىء الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله تعالى. فقالوا لم يكن يفعل هذا إلا وهو ابن الله، ويقال إنّ الإفراط في كل شيء مذموم، لأن النصارى أفرطوا في حب عيسى - عليه السلام - تغالوا وقالوا فيه ما قالوا. حتى كفروا بسبب ذلك، واليهود أفرطوا بحب عزير وقالوا فيه ما قالوا حتى كفروا، كما أفرطت الروافض في حب عليّ حتى أبغضوا غيره. وروي عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما. وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما. ثم قال تعالى { ذٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوٰهِهِمْ } يعني: ذلك كذبهم بألسنتهم، ويقال معناه يقولون بأفواههم قولاً بلا فائدة ولا برهان ولا معنى صحيح تحته ثم قال { يُضَـٰهِئُونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني: يوافقون قول الذين كفروا { مِن قَبْلُ } حين قالوا الملائكة بنات الله.
وقال قتادة: يشبهون قول الذين كفروا، يعني إنّ قول اليهود يوافق قول النصارى، وقول النصارى يوافق قول اليهود، ويقال: يتشابهون في قولهم هذا من تقدم من كفر منهم، يعني إنما قالوا اتباعاً لهم بدليل قوله تعالى { ٱتَّخَذُواْ أَحْبَـٰرَهُمْ وَرُهْبَـٰنَهُمْ } قرأ عاصم يضاهِئُونَ بكسر الهاء مع الهمزة وهي لغة لبعض العرب. وقرأ الباقون بالسكون بغير همزة وهي اللغة المعروفة. وقال القتبي: يضاهون يعني: يشبهون يعني: قول من كان في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - من اليهود والنصارى قول أوليهم الذين كانوا قبلهم. ثم قال { قَـٰتَلَهُمُ ٱللَّهُ } يعني لعنهم الله { أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } يعني: من أين يكذبون بتوحيد الله تعالى. ثم قال عز وجل { ٱتَّخَذُواْ أَحْبَـٰرَهُمْ } يعني علماءهم { وَرُهْبَـٰنَهُمْ } يعني: أصحاب الصوامع والمتعبدين منهم { أَرْبَابًا مّن دُونِ ٱللَّهِ } يعني: اتخذوهم كالأرباب. يطيعونهم في معاصي الله تعالى. قال الفقيه الزاهد حدثنا الفقيه أبو جعفر، قال حدثنا إسحاق بن عبد الرحمن القاري قال حدثنا محمد بن عيسى قال حدثنا الحسن بن يزيد الكوفي عن عبد السلام بن حرب عن غطيف بن أعين عن مصعب بن سعيد
"عن عدي بن حاتم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ من سورة براءة { ٱتَّخَذُواْ أَحْبَـٰرَهُمْ وَرُهْبَـٰنَهُمْ أَرْبَاباً مّن دُونِ ٱللَّهِ } قال أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكن كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوا وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموا" . ثم قال { وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ } يعني اتخذوا المسيح ابن مريم رباً من دون الله تعالى { وَمَا أُمِرُواْ } يقول: وما أمرهم عيسى - عليه السلام - { إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـٰهاً وٰحِداً لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } يعني إلا قوله اعبدوا الله ربي وربكم. ويقال وما أُمروا في جميع الكتب إلا ليعبدوا إلهاً يعني ليوحدوا الله تعالى { إلٰهاً واحداً } ثم نزّه نفسه فقال تعالى { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَـٰنَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } يعني عما يعبدون من دونه. ثم قال عز وجل: { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ... }