خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً
٤
فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً
٥
ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً
٦
إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً
٧
عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً
٨
-الإسراء

النكت والعيون

قوله تعالى: { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب }.
معنى قضينا ها هنا: أخبرنا.
ويحتمل وجهاً ثانياً: أن معناه حكمنا، قاله قتادة.
ومعنى قوله: { وقضينا إلى بني إسرائيل } أي قضينا عليهم.
{ لتفسدن في الأرض مرتين } الفاسد الذي فعلوه قتلهم للناس ظلماً وتغلبهم على أموالهم قهراً، وإخراب ديارهم بغياً. وفيمن قتلوه من الأنبياء في الفساد الأول قولان:
أحدهما: أنه زكريا قاله ابن عباس.
الثاني: أنه شعياً، قاله ابن إسحاق، وأن زكريا مات حتف أنفه.
أما المقتول من الأنبياء في الفساد الثاني فيحيى بن زكريا في قول الجميع قال مقاتل: وإن كان بينهما مائتا سنة وعشر.
{ فإذا جاء وعْد أولاهما } يعني أولى المرتين من فسادهم.
{ بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأسٍ شديدٍ } في قوله بعثنا وجهان:
أحدهما: خلينا بينكم وبينهم خذلاناً لكم بظلمكم، قاله الحسن.
الثاني: أمرنا بقتالكم انتقاماً منكم.
وفي المبعوث عليهم في هذه المرة الأولى خمسة أقاويل:
أحدها: جالوت وكان ملكهم طالوت إلى أن قتله داود عليه السلام، قاله ابن عباس وقتادة.
الثاني: أنه بختنصر، وهو قول سعيد بن المسيب.
الثالث: أنه سنحاريب، قاله سعيد بن جبير.
الرابع: أنهم العمالقة وكانوا كفاراً، قاله الحسن.
الخامس: أنهم كانوا قوماً من أهل فارس يتجسسون أخبارهم، وهو قول مجاهد.
{ ... فجاسوا خلال الديار } فيه خمسة تأويلات:
أحدها: يعني مشوا وترددوا بين الدور والمساكن، قال ابن عباس وهو أبلغ في القهر.
الثاني: معناه فداسوا خلال الديار، ومنه قول الشاعر:

إِلَيْكَ جُسْتُ اللَّيْلَ بِالمَطِيِّ

الثالث: معناه فقتولهم بين الدور والمساكن، ومنه قول حسان بن ثابت:

ومِنَّا الَّذِي لاقَى بِسَيْفِ مُحَمَّدٍ فَجَاس بهِ الأَعْدَاءَ عَرْضَ العَسَاكر

الرابع: معناه فتشوا وطلبوا خلال الديار، قاله أبو عبيدة.
الخامس: معناه نزلوا خلال الديار، قاله قطرب، ومنه قول الشاعر:

فَجُسنا ديارهم عَنْوَةً وأبنا بساداتهم موثَقينا

قوله عز وجل: { ثم رددنا لكم الكرة عليهم } يعني الظفر بهم، وفي كيفية ذلك ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن بني إسرائيل غزوا ملك بابل واستنقذوا ما فيه يديه من الأسرى والأموال. الثاني: أن ملك بابل أطلق من في يده من الأسرى، وردّ ما في يده من الأموال.
الثالث: أنه كان بقتل جالوت حين قتله داود.
{ وأمددناكم بأموالٍ وبنين } بتجديد النعمة عليهم.
{ وجعلناكم أكثر نفيراً } فيه وجهان:
أحدهما: أكثر عزاً وجاهاً منهم.
الثاني: أكثر عدداً، وكثرة العدد تنفر عدوهم منهم، قال تُبع بن بكر:

فأكرِم بقحْطَانَ مِن وَالِدٍ وحِمْيَرَ أَكْرِم بقَوْمٍ نَفِيراً

قال قتادة: فكانوا بها مائتي سنة وعشر سنين، وبعث فيهم أنبياء.
قوله عز وجل: { إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم } لأن الجزاء بالثواب يعود إليها، فصار ذلك إحساناً لها.
{ وإن أسأتُم فلها } أي فإليها ترجع الإساءة لما يتوجه إليها من العقاب، فرغَّب في الإحسان وحذر من الإساءة.
ثم قال تعالى: { فإذا جاءَ وعْدُ الآخرة ليسوءُوا وجُوهكم } يعني وعد المقابلة على فسادهم في المرة الثانية. وفيمن جاءهم فيها قولان: أحدهما: بختنصّر، قاله مجاهد.
الثاني: أنه انطياخوس الرومي ملك أرض نينوى، وهو قول مقاتل، وقيل إنه قتل منهم مائة ألف وثمانين ألفاً، وحرق التوراة وأخرب بيت المقدس، ولم يزل على خرابه حتى بناه المسلمون.
{ وليدخلوا المسجد كما دَخلوه أوّل مرّة } يعني بيت المقدس.
{ وليتبروا ما علوا تتبيراً } فيه تأويلان:
أحدهما: أنه الهلاك والدمار.
الثاني: أنه الهدم والإخراب، قاله قطرب، ومنه قول لبيد:

وما النَّاسُ إلا عَامِلان فَعَامِلٌ يُتَبِّرُ مَا يَبْنِي وَآخَرُ رَافِعٌ

قوله عز وجل: { عسى ربُّكم أن يرحمكم } يعني مما حل بكم من الانتقام منكم.
{ وإن عدتم عدنا } فيه تأويلان: أحدهما: إن عدتم إلى الإساءة عدنا إلى الانتقام، فعادوا. قال ابن عباس وقتادة: فبعث الله عليهم المؤمنين يذلونهم بالجزية والمحاربة إلى يوم القيامة.
الثاني: إن عدتم إلى الطاعة عدنا إلى القبول، قاله بعض الصالحين.
{ وجعلنا جهنم للكافرين حصيراً } فيه تأويلان:
أحدهما: يعني فراشاً ومهاداً، قاله الحسن: مأخوذ من الحصير المفترش.
الثاني: حبساً يحبسون فيه، قاله قتادة، مأخوذ من الحصر وهو الحبس. والعرب تسمي الملك حصيراً لأنه بالحجاب محصور، قال لبيد:

ومقامَةِ غُلْبِ الرِّقَابِ كَأَنَّهُمْ جِنٌّ لَدَى بَابِ الحَصِير قِيَامُ