قوله تعالى: { يُزْجِي سَحَاباً } فيه وجهان:
أحدهما: ينزله قليلاً بعد قليل، ومنه البضاعة المزجاة لقلتها.
الثاني: أنه يسوقه إلى حيث شاء ومنه زجا الخراج إذا انساق إلى أهله قال النابغة:
إِنِّي أتَيْتُكَ من أَهْلِي ومنْ وَطَنِي أُزْجِي حُشَاشَةَ نَفْسٍ ما بِها رَمَقٌ
{ ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ } أي يجمعه ثم يفرقه عند انتشائه ليقوى ويتصل.
{ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً } أي يركب بعضه بعضاً.
{ فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ } فيه قولان:
أحدهما: أن الودق البرق يخرج من خلال السحاب قال الشاعر:
أثرن عجاجة وخرجن منها خروج الودق من خلَلَ السحاب
وهذا قول أبي الأشهب:
الثاني: أنه المطر يخرج من خلال السحاب، وهو قول الجمهور، ومنه قول
الشاعر:
فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل أبقالها
{ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ } فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن في السماء جبال برد فينزل من تلك الجبال ما يشاء فيصيب به من
يشاء ويصرفه عمن يشاء.
الثاني: أنه ينزل من السماء برداً يكون كالجبال.
الثالث: أن السماء السحاب، سماه لعلوه، والجبال صفة السحاب أيضاً
سمي جبالاً لعِظمه فينزل منه برداً يصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء فتكون
إصابته نقمة وصرفه نعمة.
{ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ } فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: صوت برقه.
الثاني: ضوء برقه، قاله يحيى بن سلام ومنه قول الشماخ.
وما كادت إذا رفعت سناها ليبصر ضوءها إلاّ البصير
الثالث: لمعان برقه، قاله قتادة والصوت حادث عن اللمعان كما قال امرؤ
القيس:
يضي سناه أو مصابيح راهب أمال السليط بالذبال المفتل
فيكون البرق دليلاً على تكاثف السحاب، ونذيراً بقوة المطر، ومحذراً من
نزول الصواعق.
قوله تعالى: { يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ } فيه ثلاث أوجه:
أحدها: هو أن يأتي بالليل بعد النهار ويأتي بالنهار بعد الليل، حكاه ابن
عيسى.
الثاني: أن ينقص من الليل ما يزيد من النهار وينقص من النهار ما يزيد في
الليل، حكاه يحيى بن سلام.
الثالث: أنه يغير النهار بظلمة السحاب تارة وبضوء الشمس أخرى، ويغير
الليل بظلمة السحاب مرة وبضوء القمر مرة، حكاه النقاش.
ويحتمل رابعاً: أن يقلبها باختلاف ما يقدر فيهما من خير وشر ونفع وضر.