قوله تعالى: { وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً ءَاخَرَ } يعني لا يجعلون لله تعالى
شريكاً، ولا يجعلون بينهم وبينه في العبادة وسيطاً.
{ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ } يعني حرم قتلها، وهي نفس المؤمن والمعاهد.
{ إِلاَّ بِالْحَقِّ } والحق المستباح به قتلها، ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لاَ
يَحِلُّ دَمُ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِِإِحْدَى ثَلاَثٍ: كُفرٍ بَعْدَ إِيمَانٍ، أَوْ زِنىً بَعْدَ إِحْصَانٍ، أَوْ
قَتْل نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ" .
{ وَلاَ يَزْنُونَ } والزنى إتيان النساء المحرمات في قبل أو دبر، واللواط زنى في
أحد القولين وهو في القول الثاني موجب لقتل الفاعل والمفعول به،
وفي إتيان
البهائم ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه كالزنى في الفرق بين البكر والثيب.
الثاني: أنه يوجب قتل البهيمة ومن أتاها للخبر المأثور فيه.
الثالث: أنه يوجب التعزير. فجمع في هذه الآية بين ثلاث من الكبائر الشرك
وقتل النفس والزنى، روى عمرو بن شرحبيل عن ابن مسعود قال: قلت: يا
رسول الله (أو قال غيري): أي ذنب أعظم عند الله؟ قال: "أَن تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدّاً وَهُوَ
خَلَقَكَ" قال: ثم أي؟ قال: "أَن تَقْتُلَ وَلَدَكَ خِيفَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ" قال: ثم أيّ.؟ قال: "أَنْ
تُزَانِي حَلِيلَةَ جَارِكَ" قال فأنزل الله ذلك.
{ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ } يعني هذه الثلاثة أو بعضها.
{ يَلْقَ أَثَاماً } فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الأثام العقوبة قاله بلعام بن قيس:
جزى اللَّه ابن عروة حيث أمسى عقوقاً والعقوق له أثام
الثاني: أن الأثام اسم واد في جهنم، قاله ابن عمر، وقتادة، ومنه قول الشاعر:
لقيت المهالك في حربنا وبعد المهالك تلقى أثاما
الثالث: الجزاء، قاله السدي، وقال الشاعر:
وإن مقامنا ندعو عليكم بأبطح ذي المجاز له أثامُ
{ يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ } فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن المضاعفة عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، قاله قتادة.
الثاني: أنها الجمع بين عقوبات الكبائر المجتمعة.
الثالث: أنها استدامة العذاب بالخلود.
{ وَيَخْلُدْ فِيهِ } أي يخلد في العذاب بالشرك.
{ مُهَاناً } بالعقوبة.
{ إِلاَّ مَن تَابَ } يعني من الزنى.
{ وَءَامَنَ } يعني من الشرك.
{ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً } يعني بعد السيئات.
{ فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: في الدنيا يبدلهم بالشرك إيماناً، وبالزنى إحصاناً وبذكر الله بعد
نسيانه، وبطاعته بعد عصيانه، وهذا معنى قول الحسن، وقتادة.
الثاني: أنه في الآخرة فيمن غلبت حسناته على سيئاته فيبدل الله السيئات
حسنات، قاله أبو هريرة.
الثالث: أنه يبدل الله عقاب سيئاته إذا تاب منها بثواب حسناته إذا انتقل إليها، قاله ابن
بحر.
{ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً } لما تقدم قبل التوبة.
{ رَحِيماً } لما بعدها.
وحكى الكلبي أن وحشياً وهو عبد عتبة بن غزوان كتب بعد وقعة أحد وقَتْلِ
حمزة إلى النبي صلى الله عليه وسلم: هل من توبة؟ فإن الله أنزل بمكة إياسي من كل خير { وَالَّذِينَ لاَ
يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً ءَاخَرَ } الآية وإن وحشياً قد فعل هذا كله، وقد زنى وأشرك وقتل
النفس التي حرم الله، فأنزل الله { إلاَّ مَن تَابَ } أي من الزنى وآمن بعد الشرك
وعمل صالحاً بعد السيئات، فكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فقال وحشي: هذا شرط
شديد ولعلي لا أبقى بعد التوبة حتى أعمل صالحاً، فكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هل من
شيء أوسع من هذا؟ فأنزل الله { { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن
يَشَآءُ } [النساء: 48، 116]، فكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وحشي. فأرسل وحشي
إلى النبي صلى الله عليه وسلم: إنى لأخاف أن لا أكون في مشيئة الله، فأنزل الله في وحشي
وأصحابه { { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ
يَغْفِرًُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً } [الزمر: 53] الآية. فبعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وحشي إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم.