قوله تعالى: { وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ } قال عكرمة: عرضت لموسى أربع طرق
فلم يدر أيتها يسلك.
{ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ السَّبِيلِ } وفيه وجهان:
أحدهما: أنه قال ذلك عند استواء الطرق فأخذ طريق مدين، قاله عكرمة.
الثاني: أنه قال ذلك بعد أن اتخذ طريق مدين فقال عسى ربي أن يهديني سواء
السبيل أي قصد الطريق إلى مدين، قاله قتادة والسدي. قال قتادة: مدين ماء كان
عليه قوم شعيب.
قوله تعالى: { وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ } قال ابن عباس: لما خرج موسى من مصر إلى
مدين وبينه وبينهما ثماني ليل ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر وخرج حافياً فما
وصل إليها حتى وقع خف قدميه.
{ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ } أي جماعة. قال ابن عباس: الأمة أربعون.
{ يَسْقُونَ } يعني غنمهم ومواشيهم.
{ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ } فيه وجهان:
أحدهما: تحبسان، قاله قطرب، ومنه قول الشاعر:
أبيتُ على باب القوافي كأنما أذود بها سِرباً من الوحش نُزَّعا
الثاني: تطردان. قال الشاعر:
لقد سلبت عصاك بنو تميم فما تدري بأيِّ عصى تذود
وفيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهما تحبسان غنمهما عن الماء لضعفهما عن زحام الناس. قاله أبو
مالك والسدي.
الثاني: أنهما تذودان الناس عن غنمهما، قاله قتادة.
الثالث: تمنعان غنمهما أن تختلط بغنم الناس، حكاه يحيى بن سلام.
{ قَالَ مَا خَطْبَكُمَا } أي ما شأنكما، وفي الخطب تضخيم الشيء ومنه الخطبة
لأنها من الأمر المعظم.
{ قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَآءُ } والصدور الانصراف، ومنه الصّدر لأن
التدبير يصدر عنه، والمصدر لأن الأفعال تصدر عنه. والرعاء جمع راع.
وفي امتناعهما من السقي حتى يصدر الرعاء وجهان:
أحدهما: تصوناً عن الاختلاط بالرجال.
الثاني: لضعفهما عن المزاحمة بماشيتهما.
{ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } وفي قولهما ذلك وجهان:
أحدهما: أنهما قالتا ذلك اعتذاراً إلى موسى عن معاناتهما سقي الغنم
بأنفسهما.
الثاني: قالتا ذلك ترقيقاً لموسى ليعاونهما.
{ فَسَقَى لَهُمَا } فيه قولان:
أحدهما: أنه زحم القوم عن الماء حتى أخرجهم عنه ثم سقى لهما، قاله ابن
إسحاق.
الثاني: أنه أتى بئراً عليه صخرة لا يقلها من أهل مدين إلا عشرة فاقتلعها
بنفسه وسقى لهما. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ولم يستق إلا ذنوباً واحداً
حتى رويت الغنم.
{ ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ } قال السدي: إلى ظل الشجرة وذكر أنها سَمْرة.
{ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } قال ابن عباس: قال موسى ذلك
وقد لصق بطنه بظهره من الجوع وهو فقير إلى شق تمرة ولو شاء إنسان لنظر إلى خضرة
أمعائه من شدة الجوع.
قال الضحاك: لأنه مكث سبعة أيام لا يذوق طعاماً إلاّ بقل الأرض؛ فعرض
لهما بحاله فقال { رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } فيه قولان:
أحدهما: شبعة من طعام، قاله ابن عباس.
الثاني: شبعة يومين، قاله ابن جبير.